saadahnews

الطلاق السعودي المصري في طريقه ليكون بائنا

مقالات|25سبتمبر |بقلم/ عبد الباري عطوان:

من تابع الاستقبال الحافل الذي حظي به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أثناء زيارته الرسمية إلى القاهرة في ابريل (نيسان) الماضي، والآمال العريضة التي بنيت عليها سياسيا واقتصاديا وعسكريا، يخرج بانطباع بأن البلدين دخلا في تحالف استراتيجي إقليمي صلب، يمكن أن يستمر لعقود أو سنوات على الأقل، ولكن الطموحات والتمنيات شيء، والواقع شيء آخر.

بعد خمسة أشهر من هذه الزيارة التي وصفها الإعلامان السعودي والمصري بأنها “تاريخية”، بدأت الهوة في العلاقات بين البلدين تتسع، وبدأت الوعود والاتفاقات المالية والسياسية “تتبخر”، فمشروع جسر الملك سلمان فوق خليج العقبة، والمنطقة التجارية الحرة التي ستقام في الجانب المصري منه في سيناء لم يعد يذكر، وربما جرى دفنه، وعدم تصديق البرلمان المصري على إعادة جزيرتي “صنافير” و”تيران” في فم الخليج المذكور الى السيادة السعودية لم يتم حتى الآن، رغم تصديق مجلس الوزراء السعودي الفوري عليه، والأنكى من ذلك أن محكمة مصرية طعنت في هذا الاتفاق، وأكدت على بطلانه مرتين، والثالثة في الطريق.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي حظي بإطراء خاص على ألسنة المسؤولين السعوديين وإعلامهم، باعتباره المنقذ لمصر، لم يعد كذلك هذه الأيام، بل بات موضع انتقادات كثيرة مباشرة، أو غير مباشرة، وصل بعضها إلى الشتم بكلمات نابية.

***

شهر العسل السعودي المصري لم يدم أكثر من ثلاثة أشهر على الأكثر، بدأت بعدها إجراءات “طلاق شبه بائن”، انعكس في مجموعة من الخطوات المصرية جاءت صادمة للشريك السعودي:

  • الأولى: المشاركة المصرية المكثفة في مؤتمر غروزني الذي انعقد قبل شهر في العاصمة الشيشانية، تحت عنوان “من هم اهل السنة والجماعة”، حيث شاركت في هذا المؤتمر الذي اعتبر “الوهابية” خارج هذا التعريف، أربعة من أهم المرجعيات الإسلامية المصرية وهم، شيخ الازهر، الدكتور احمد الطيب، ومفتي مصر الشيخ شوقي علام، ومستشار الرئيس للشؤون الإسلامية أسامة الأزهري، والمفتي السابق الدكتور علي جمعة.
  • الثانية: التصريحات المؤيدة والداعمة للرئيس السوري بشار الأسد التي وردت في خطاب الرئيس السيسي الذي ادلى به في الأمم المتحدة، واكد فيها ألا مكان للتنظيمات الإرهابية في مستقبل سورية، وتلك التوضيحية التي أدلى بها سامح شكري، وزير خارجية مصر لاحقا لصحف مصرية، وأقر فيها تباين الرؤى بين بلاده والسعودية بشأن سورية خصوصا حول ضرورة تغيير نظام الحكم أو القيادة السورية، حيث أكد أن مصر تعارض تغيير الحكم، ولا تتبنى النهج السعودي في هذا الإطار.
  • الثالثة: عدم حدوث أي لقاء بين الرئيس المصري والأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي، اثناء تواجد الاثنين في الأمم المتحدة على رأس وفدي بلادهما، والشيء نفسه يقال عن وزيري خارجية البلدين باستثناء مشاركتهما في اجتماع مجموعة دعم سورية.
  • الرابعة: وهي الأهم في نظرنا، أي اللقاء الذي أجراه السيد شكري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس، وبحث معه ملفات عديدة من بينها الملف السوري، وهذا اللقاء وحده يكفي لإصابة نظيره السعودي عادل الجبير، وربما من هم اعلى منه، بأزمة قلبية، ولا نستبعد أن تتحول هذه الأزمة إلى جلطة، في حال صدقت التكهنات حول لقاء شكري ونظيره السوري وليد المعلم الموجود حاليا في نيويورك.

***

محطة “سكاي نيوز عربية”، التي تملكها إمارة أبو ظبي، قدرت حجم المساعدات والاستثمارات التي ضختها السعودية في مصر بحوالي 27 مليار دولار في السنوات الأخيرة، ويبدو أنها ستتوقف عند هذا الرقم لسنوات قادمة في ظل هذا “البرود” في العلاقات بين البلدين، اللهم الا إذا قررت السعودية الاقدام على مبادرة مالية جديدة وتقديم حزمة من المليارات لمصر، وإن كنا نستبعد ذلك، خاصة أن الحكومة المصرية لجأت لاقتراض 13 مليار دولار من صندوق النقد الدولي أخيرا بشروط صعبة.

القيادة السعودية أخطأت التقدير عندما اعتقدت أن هذه المساعدات ستجعل من نظيرتها المصرية “صديقا” مطيعا، وتابعا، ينفذ كل مخططاتها، ويخوض كل حروبها، ويتبنى كل مواقفها ضد إيران والحكومة السورية، ويقاطع كل أعدائها على غرار ما فعلته وتفعله معظم الحكومات الخليجية الأخرى، الأمر الذي يعكس “سوء تقدير” في الحسابات، علاوة على عدم فهم الذهنية المصرية، والتاريخ الحافل بالمطبات والصدامات بين البلدين، في معظم عصوره.

السلطات المصرية تستخدم الاعلام في اغلب الاحيان، وليس القنوات الدبلوماسية التقليدية، لإيصال الرسائل الى الدول المعنية، ولعل حديث السيد شكري الى وسائل الاعلام المصرية دون غيرها، حول التباين في العلاقات المصرية مع السعودية هو أحد التطبيقات الواضحة لهذا النهج المصري.

السلطات المصرية تركت مسافة كبيرة بين موقفها وحليفها السعودي (السابق) في التعاطي مع الشأن السوري لأنها تدرك جيدا أن البديل عن نظام الرئيس الأسد هو حركة الاخوان المسلمين، او الفوضى الدموية على غرار العراق وليبيا واليمن، الامر الذي يشكل تهديدا لأمن مصر واستقرارها، ونظام الحكم فيها، مضافا الى ذلك ان تحالف الرئيس السيسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، يتقدم على تحالفه مع السعودية وقيادتها، ولذلك لا يمكن أن يتبنى سياسات تتعارض مع السياسات الروسية في الشرق الأوسط.

دبلوماسية إدارة الظهر، هي الوصف الأمثل للعلاقات بين السعودية ومصر هذه الأيام، ومن المرجح انها بدأت تتمدد الى العلاقات المصرية الخليجية أيضا، فزيارات المسؤولين المصريين إلى عاصم الدول الخليجية باتت شحيحة هذه الأيام، وكان لافتا أن الدكتور عبد الخالق عبد الله، أحد أبرز مستشاري الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، وحاكمها الفعلي، أيد ما ختمت به مجلة “الايكونوميست” البريطانية تحقيقها السوداوي عن مستقبل اقتصاد مصر قبل ثلاثة أسابيع، ويتلخص في توجيه نصيحة للرئيس السيسي بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2018، ويقال إنه هو الذي سرب هذه النصيحة إلى المجلة البريطانية العريقة، والله أعلم.

التعليقات مغلقة.