saadahnews

ثورة الإمام زيد ثورة اجتماعية لا مذهبية..

مقالات|27أكتوبر| بقلم/ عبدالملك العجري:

في حوار جرى بين سَعِيد بْن العاص وكان حينها واليا للكوفه وبين مالك الاشنر قال سعيد بن العاص إِنَّمَا السواد بستان لقريش ، فَقَالَ الأشتر : أتجعل مراكز رماحنا وَمَا أفاء اللَّه عَلَيْنَا بستانًا لَك ولقومك ؟ والله لو رامه أحد لقرع قرعا يتصأصأ منه . الحوار الانف يوضح طبيعة الصراع في القرون الاولى للإسلام فهو صراع اجتماعي في جوهره وليس مذهبيا لاهوتيا حتى وإن اتخذ في التاريخ الرسمي هذه السمة جاهد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لارساء تجربة مجتمع الأخوة إلا أن قصر التجربة لم تمكنه من ترسيخ ركائزه وتصفية المجتمع القديم .

حصلت انتكاسة لمجتمع الأخوة وتوفرت جملة من العوامل ساعدت الارستقراطية القديمة المتشكلة من القوى التي اعتنقت الاسلام قسرا من استعادة نفوذها والتغلب على قوى مجتمع الاخوة واعادة تشكيل المجتمع الاسلامي وكانت الارض هي حجر الزاوية في صياغة التشكيلة الاجتماعية الجديدة كان من نتائج الفتوحات الاسلامية وتوسع جغرافية الدولة الاسلامية واقتطاع اراض واسعة ضمن نفوذها ضمت مجتمعات فيضية يغلب عليها النظام الاقطاعي . احتكرت الدولة الاراضي الزراعية للأقاليم المفتوحة عنوة واعتبرتها ملكا للدولة وتركتها في يد أصحابها ، مقابل لضريبة معينة تسمى الخراج ,يفترض أن عائداته تعود لمجموع الأمة وتوزع بينهم بطريقة عادلة . اتبعت الدولة الاسلامية سياسة مالية اسست لنشوء تفاوت طبقي قسم المجتمع الى كتلتين كتلة مالكة واخرى لا تملك الا جهدها وعملها .

اختلال توزيع عائدات الأراضي الخراجية أدى إلى نشوء طبقة اجتماعية ثرية تمكنت من تعزيز نفوذها والقفز إلى السلطة واحتكار عوائد اراضي الخراج وتوزيعها على شكل هبات اقطاعية ضمن عصبية الحكم او طبقة الحكم أو كما عبر سعيد بن العاص “انما السواد بستان قريش “. في ظل هذه التحولات تكونت معارضة اسلامية من القوى المتمسكة بمجتمع الأخوة القوى الاجتماعية المحرومة والمستضعفة والفئات المهمشة والفلاحين والأقنان وأهل الحرف وصغار الملاك, واللامنتمين كالموالي إضافة إلى الارستقراطية الدينية من القراء ورجال الدين الذين ينقمون على بني امية تفشي الفساد في الأجهزة الحكومية، والمساوئ الاجتماعية والاخلاقية إلى حد أنه في عز الخلافة الأموية (كما يقول المفكر المصري العشماوي في كتاب الخلافة الاسلامية ) كان الفسق كثيرا والفجور سافرا، يقع في قصور الخلفاء ويحدث بين صفوف المسلمين، عمر بن عبدالعزيز أحد افراد العائلة الاموية واشهر خلفائها يصور الانتكاسة التي الحقتها اسرته بمجتمع الأخوة الذي أرسى ركائزه النبي محمد في عبارة مشهورة يقول فيها “إن الله بعث محمدا رحمة ولم يبعثه عذابا إلى الناس كافة ثم اختار لهم ما عنده فترك لهم نهرا شربهم فيه سواء ثم ولي ابو بكر فترك النهر على حاله ثم ولي عمر فعمل عمل صاحبه فلما ولي عثمان اشتق من ذلك النهر نهرا ثم ولي معاوية فشق منه الأنهار ثم لم يزل ذلك النهر يشق منه من يزيد ومروان وعبدالملك وسليمان حتى أفضى الأمر إليّ وقد يبس النهر الأعظم ولن يروى أصحاب النهر الأعظم حتى يعود إليهم النهر الأعظم .

كان أبو ذر الغفاري أول صوت جهر بمعارضة السياسة المالية للدولة على عهده وطالب بإعادة توزيع المال العالم بشكل عادل وحذر من مخاطر الثراء الغير مشروع وتكون طبقة تحتكر ثروة الأمة وهي لا زالت في بداية تشكلها.

تعمق الانقسام مع سياد النمط الاقطاعي وسيطرة الأرستقراطية القديمة واستحواذها على اراضي صغار الملاك والمزارعين , كان الموالي أكثر القوى الاجتماعية نقمة على الارستقراطية العربية وظهرت بوادر الصراع بينهم -بعد أن أصبحوا قوة اجتماعية كبيرة في المجتمع- وبين الارستقراطية العربية التي عبرت عن ضيقها بهذه الفئة ,ففي الكوفة مثلا كان الموالي من الكثرة بحيث اخذوا يزاحمون اشراف العرب ويشغلون الصفوف الاولى ولما دخل علي بن أبي طالب ليصلي بالناس احتج رجل من هؤلاء الاشراف قائلا لقد غلبتنا هذه الحمراء(الموالي)على القرب منك يا امير المؤمنين ..انزعج الامام علي لهذا الاحتجاج ورد عليهم بقوله من “عذيري من هؤلاء جاءت الحركة الثورية التي قادها الإمام زيد تمثيلا للصراعات السوسيوسياسية التي تختمر في اعماق المجتمع الاسلامي وتعبيرا عن مصالح جموع الكادحين ,ثورة اجتماعية في صميم حركتها إعادة التوزيع العادل للفيء .

يقول الدكتور محمود اسماعيل في كتابه الأدارسة إن ثورة الإمام زيد رغم التاييد الواسع لها بين الموالي والعرب والفقهاء إلا أنها تعرضت لخذلان من قبل الزعامات الارستقراطية والاقطاعية في العراق و خراسان وغيرها من المحسوبين على المعارضة نظرا لتخوفهم على مصالحهم من تنبي الحركة أهدافا اجتماعية واضحة كرد الفيء إلى من حرموا منه وتوزيع الخراج بالعدل ولذلك اقدم المستضعفون من العرب والموالي على تعضيدها لكن في نفس الوقت لم يتقاعس أثرياؤهم على مناهضتها الإمام زيد لم يكن داعية مذهبي ولا طامح سياسي يقاتل بهدف المنافسة على السلطة و والوصول للحكم كهدف بحد ذاته وإلى وقت قيام ثورة زيد بن علي كانت المعارضة السياسية حركة بدون عقيدة محددة والجدل العقدي كان لايزال في بدايته لم يتبلور بعد في منظومات عقدية تتوزع المسلمين إلى فرق وطوائف، ولذلك كان معسكر الإمام زيد لفيفا غير متجانس مذهبيا ,والزيدية اللقب الذي أطلق على معسكر الامام زيد فيما بعد ليس نزعة علموية او مدرسة نظرية بل حركة ثورية وحركة إصلاح شامل بمضامين اجتماعية واضحة والزيدية أول ما ظهرت كنظرية في الثورة لا نظرية في الحكم .

التعليقات مغلقة.