saadahnews

سورة المائدة الدرس الثاني والعشرون

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

اللهم اهدنا وتقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

في أول [سورة البقرة] قرأنا قول الله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(البقرة: 2) الفقرة الأولى من هذه الآية وهي قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} إشارة إلى عظمة هذا الكتاب، وبُعده، بعده الشاسع عن أن يكون محطاً للارتياب {لاَ رَيْبَ فِيهِ} ليس فيه ريب على الإطلاق في كل ما تناوله، أيَّ ريب كان، لا مكان له في القرآن، ولا منفذ له إلى القرآن على الإطلاق. من خلال تأمل الإنسان أثناء التلاوة، عندما يتأمل آيات القرآن الكريم سيجد فعلاً بأنه بعيد كل البعد عن أن يكون فيه منفذ لريب أيَّ ريب كان، يعني: القرآن يشهد فعلاً؛ ولهذا كان أعظم معجزة لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يشهد بنفسه أنه من عند الله، بأسلوبه، بمواضيعه الشاملة، بهداه المتميز. أنت تلمس بأنه فعلاً من يشرع في هذا القرآن، من يهدي في هذا القرآن هو بالتأكيد من خلق الإنسان، قضية لا شك فيها، أنه من خلق السموات والأرض، أنه من يعلم الغيب والشهادة، وهو الله سبحانه وتعالى لا شك في ذلك.

عندما يتأمل الإنسان سواء بالنسبة للآيات التي تتناول قضايا معينة مثل تشريع القصاص، أو الحدود، أو غير ذلك من العبادات والمعاملات، وفيما يتعلق بالتوجيهات، أو فيما يتعلق بتشخيص الإنسان كإنسان، وتشخيص الإنسان المؤمن المتقي، وتشخيص أهل الكتاب، وتشخيص المنافقين، والكافرين، وهكذا عندما تلتفت إلى واقع الحياة تجد أن القضية كما شخصها فعلاً، وفي كل العصور، في هذا الزمن الذي بيننا وبين نزول القرآن أكثر من ألف وأربعمائة سنة تجده يشخص على أرقى مستوى، وأدق تشخيص لهذا الواقع الذي نحن فيه، يشخص أهل الكتاب، بني إسرائيل، اليهود والنصارى هؤلاء، ويشخص المنافقين، ويشخص الوضعية بشكل وكأنه نزل في هذه المرحلة فعلاً، لا يمكن لأحد على الإطلاق أن يكتب على هذا النحو، يتجاوز الزمن كتابته، بل رأينا الزمن تجاوز تفسيرات المفسرين أنفسهم، المفسرين للقرآن نفسه تجاوزهم الزمن، وتجاوزهم القرآن، تجاوز هو والزمن تفسيراتهم له هو، فما بالك أن تكون كتابة يصيغها أحد من الناس؛ لهذا يعتبر نعمة كبيرة جداً علينا، ونعمة كبيرة على الناس جميعاً، على البشرية كلها.

في هذه الآيات قرأنا قصة ربما قد تكون قدمت في كتب بني إسرائيل بشكل مختلف؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}(المائدة من الآية: 27) القصة الحقيقية والواقعية لتلك القضية التي حدثت بين ابني آدم ويبدو فعلاً أنهم ابني آدم المباشرين وليس فقط قضية نسبة، أبناؤه فعلاً. أن تأتي الآية بهذا الشكل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} لأنه عندما يتلو عليهم ما هو الحق، وفي كثير من القضايا التاريخية تستطيع عندما تقدم لك قصة مشوهة، ويقدم لك الجانب الحقيقي فيها، تستطيع أن تتلمس فعلاً إذا عندك رؤية تاريخية، ومعرفة بطبيعة الأحداث في العادة، وبطبيعة البشر، فتكون هذه آية لبني إسرائيل تشدهم إلى الإيمان بهذا القرآن الكريم، والاهتداء بهديه. {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} عليهم، القضية هذه لها علاقة بهم أيضاً من جهة أخرى سيأتي فيما بعد.

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ}(المائدة من الآية 27) كان في الأزمنة الماضية يأتي قربان بشكل ذبائح وأشياء أخرى، فالإنسان الذي يُتَقبل منه القربان قد تنزل نار مثلاً تأخذه تحرقه، أو أي شيء من هذا، المهم علامة بارزة تحصل، تبين أنك أنت تُقُبل قربانك من الله، قرباناً لله {فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}(المائدة من الآية 27) غضب لماذا لم يُتَقبل منه قربانه. القضية ليست من عندي أنا، المسألة تعرفها ونعرفها جميعاً {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة من الآية 27) عندما تقدم قربانك فلا يتقبل منك فراجع أنت نفسك، وحاسب نفسك، وعد إلى الله؛ لتكون من المتقين، فيتقبل قربانك، وليس أن ترجع علي أنا.

{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ}(المائدة من الآية: 28) ممكن أن يبسط يده بشكل دفاع لكن لن أبسط إليك يدي لأقتلك {إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} فهذه النوعية بعيد عن ارتكاب مثل هذه الجريمة، {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}(المائدة من الآية: 29) تنتهي القضية وتعود أنت خاسر، إثمي وإثمك، إثمك الذي قد وجدت أنت، ورأيت أن الله لم يتقبل منك، وإثم قتلي {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}(المائدة من الآية: 29) {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}(المائدة من الآية: 30) سهلت له، ربما تلفت فرأى أنه من السهل أن يقتله؛ لأنه اغتاظ منه أن يتقبل قربانه وهو لم يتقبل منه! مع أن المسألة هنا ليست بيد أخيه، يعني ليس لديه حق له على الإطلاق، حتى لو قال ماذا يمكن أن أعمل لك، هل يمكن أن يعمل له شيئاً؟ لا يمكن أن يعمل له شيئاً.

{فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ}(المائدة من الآية:20 – 31) ربما مثلاً لم يكن قد مات أحد منهم من قبل، أو ربما كان هؤلاء الأخوين مثلاً مع آخرين منهم في بلد آخر لم يكن قد مات منهم أحد، وإن كان قد مات ممن انفصلوا عنهم، والله أعلم، هذه تدل على أنه فعلاً لم يكن قد عرف هو هذه السنة الإلهية بدفن الموتى من بني آدم، لكن تكريماً للإنسان بشكل عام، وتكريماً لأخيه هذا، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه، ولا يستحق إلا غراباً، الغراب هو عند العرب، هو عند الناس طائر مشئوم كانوا يتشاءمون به، ويذكرونه في الشعر العربي كطائر يتشاءمون به هو والبوم. {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}(المائدة31) أول خسارته هذه: أصبح من النادمين.

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}(المائدة من الآية: 32) إذاً نحن أمام درس فيما يتعلق بعقوبة الإعدام، عقوبة الإعدام فعلاً في هذا العصر بالذات، ولذلك كانت قضية من زمان هناك حملة فعلاً، حملة مثلما تقول: شبه دولية، حول محاولة إلغاء عقوبة الإعدام، تلغى تماماً باعتبارها وكأنها عقوبة بشعة! وعادة يحاولون يزينون هذه المسألة، مسألة إلغاء عقوبة الإعدام بأنه بدلاً أن نكون قد فقدنا واحداً لماذا أيضاً نفقد الآخر؟ فإذا قد فقدنا واحد مع السلامة فلا نفقد الآخر أيضاً!.. لا، الله سبحانه وتعالى هو حكيم، ويبين للناس أنه حكيم، ويبين أن هناك حاجة ماسة، حفاظاً على حياة الناس، إذا كانت عقوبة الإعدام عندما تحاول أن تلغيها من أجل الحفاظ على حياة واحد، الله قدم الحل الذي يمثل الحفاظ على الحياة بأوسع مما قدمت، حياة الاثنين، إذا أنت تريد حياة واحد من خلال إلغائك للعقوبة، فالله قدم من خلال هذه العقوبة ما يضمن حياة اثنين.

ثم إذا كان مثلاً قد تقول: بأن إلغاء هذه العقوبة هو وجيه؛ لأنه فعلاً قد تكون حالات القتل إنما هي عادة تحصل عند الغضب، أو اختلاف، أو أشياء من هذه، فيحصل من فلان أن يقتل فلاناً، هنا بين الله سبحانه وتعالى في هذه القصة، وبين من خلال أجواء هذه القصة أنه ممكن، أن هناك نوعية من الناس سيقتل بدون أي مبرر على الإطلاق، لاحظ هنا يذكر أخاه الآخر كيف كان عند ما قال له: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}(المائدة: 28) والذي دفعه إلى القتل لم يكن من جهة أخيه أيَّ شيء يدفعه إلى أن يقتله على الإطلاق، قضية ثانية هذه، قدم قربانا فلم يتقبل منه، فعاد ليقتل إنساناً لا علاقة له بالموضوع على الإطلاق، ولم يأت من جانبه أي شيء يعتبر دافعاً له أن يقتله، يعني: أن هناك فعلاً نوعية من الناس هم على هذا النحو.

الله فيما يتعلق بأن تحسب حساب حالات أخرى جعل في هذه القضية عقوبة إعدام، قصاص، أو دية إذا قبل الأولياء، ويمكن أحياناً في بعض القضايا يمكن أن الأولياء أحياناً هم فعلاً يعرفون، ويقبلون دية في بعض الأحداث التي قد تكون فعلاً شبه بالي، أخي مثلاً، أو صاحبي فعلاً بلى آخر بنفسه، فلم يكن أمامه بدٌ من أن يقتله مثلاً، أليس هذا قد يسمى بالي معين؟ هناك يوجد مجال فيما يتعلق بالعفو أو الدية.

إذاً فأمام العقوبة هذه جعل ما يضمن فعلاً الحياة للناس، ولتعرف أن هذه العقوبة عادة على أساس أن الكثير فعلاً من النوعية هذه، هي نوعية مما يخشاها البشر، فيجب أن يكون هناك عقوبة؛ لتندفع وترتدع هذه النوعية من الناس، أما النوع الآخر وهم من؟ المتقين فهم لا يمثلون خطورة على الآخرين على الإطلاق؛ لأنه هنا قال: {مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} بمعنى: أن هذه النوعية من الناس، الناس الطيبين، الناس المتقين، لا يشكلون خطورة على البشر على الإطلاق. إذاً فأنت عندما تدافع عن تنفيذ عقوبة الإعدام، تعمل على إلغائها بشكل قانون، كما يعملون في هذا الزمن، فمعناه أنك تفسح المجال أمام من؟ أمام مجرمين، أنت تفسح المجال أمام مجرمين، ليس معنى ذلك أنك ستفك إشكالية أمام ناس صالحين وأبرار وطيبين..لا.

هناك جانب آخر الدية، وقضية تعود إلى نفسية أولياء المقتول، وأجواء القضية، وفعلاً قد يكون كثير من القضايا مثلما هو معروف، بعض القضايا قد يرى الأولياء بأنها فعلاً مناسب أن يعفوا نهائياً، بعضهم يعفو نهائياً، ولا حتى دية، وبعضهم قد يقبل دية، وبعضهم قد يقبل شيئاً معيناً مقابل تكاليف الحادثة.

هذا أول شيء: أن هناك حاجة ماسة إلى إقامة هذا الحكم الإلهي، وهو القصاص؛ لأن هناك فعلاً نوعية من البشر على هذا النحو، أن يقال لبني إسرائيل أنفسهم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} سترى أن بني إسرائيل هم، أنفسهم، هم يحملون نفسية هذا الشخص الذي قتل أخاه دون مبرر، فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، أليس هذا شيء واضح؟ بغير حق. إذاً فعندما تراهم أنت الآن يعملون حملات كثيرة من أجل إلغاء عقوبة الإعدام إنما من أجل أن يفسحوا لأنفسهم أن يجرموا ويرتكبوا الجريمة هذه، كما رأينا الأمريكيين حاولوا بشكل كبير على أن لا يحاكم جنودهم في محكمة الجزاء الدولية، فعلاً لا يشملهم أحكام نهائياً؛ باعتبارهم وكأنهم أناس صالحون، وأناس أبرار، وإنما محررون ويضربون الطغاة.. وأشياء من هذه! لا، إذا لم تكن هذه العقوبة قائمة فإنما يفسح المجال للمجرمين فعلاً، ومنهم – فعلاً – من هذه النوعية؟ هم الكثير من بني إسرائيل، الكثير من بني إسرائيل، لأنك تجد فعلاً برزت فيهم هذه القضية بشكل كامل، القتل بدون حق وقتل من؟ قتل مجرمين أو قتل من؟ قتل أنبياء!.

وفي نفس الوقت فساد في الأرض، ألم يحك عنهم هذه؟ {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) هذه القضية معروفة عنهم والبشر الآن يصيحون من فسادهم، أليس رئيس الوزراء الماليزي في مؤتمر القمة الإسلامية تحدث عن فساد اليهود، وضج منهم، وحصل تأييد كثير؛ لأن الناس يعرفون هذه الآن في العالم تقريباً أصبحت القضية واضحة، خاصة من بعد الأحداث هذه الأخيرة، الأحداث التي يسمونها: أحداث أحد عشر سبتمبر.

{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} القضية قد تكون على هذا النحو {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} وهناك قدم عقوبة ارتكاب هذه الجريمة بالنسبة لبني إسرائيل بالذات تمثل رادعا لهم، أن يجعلها كبيرة جداً، جداً بهذا الشكل الذي {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}؛ لأنهم بحاجة إلى أن تغلظ أمامهم هذه الجريمة؛ لأنهم أناس يقتلون بغير حق، يقتلون الأنبياء بغير حق، وسيقتلون من أصحابهم داخل كنائس، أو معابد بغير حق، من أجل مصلحة سياسية، من أجل يقوم عليها دعاية معينة لهم، تخدمهم سياسياً. إذاً فعلاً هذه النوعية هم بحاجة إلى أن تغلظ الجريمة أمامهم بشكل كبير جداً، جداً أكثر ربما من أي نوع آخر من الناس، أيّ فئة من الناس الآخرين.

{عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} ليدفعهم أيضاً إلى الحفاظ على حياة الآخرين، وأرواح الآخرين، أن يقدم لهم هذا الفضل العظيم لماذا؟ ليبعدهم مهما أمكن، ومع هذا ترى بأنه لم يجدِ معهم. إذاً فعندما ينادون هم بإلغاء عقوبة الإعدام نقول: لا.. هي ضرورية لكم أنتم بالذات؛ لأنكم أنتم الذين تشكلون خطورة على البشر، لا تعتبر انتهاك لحقوق الإنسان.. لا. وإنما تعتبر رادعاً وزاجراً لمن يتجه لسفك دماء بني الإنسان.

سبق في خطاب للمسلمين كتشريع مباشر لهذه الأمة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(البقرة: 179)؛ لأنه يبدو فعلاً أن بني إسرائيل فضيعين جداً بالنسبة لنفسياتهم، جرأتهم فيما لو تمكنوا؛ ولهذا كما نقول أكثر من مرة، من خلال ما نفهم من كتاب الله، نلاحظ كم حصل من تخفيف في واقعهم: ذلة، ومسكنة، وغضب إلهي، وعداوة وبغضاء فيما بينهم، وتهويل للجريمة على هذا النحو عندما يقول: كتبنا عليهم على هذا النحو، ومع هذا لا يزال البشر يصيحون منهم الآن! كيف لو أنهم ما زالوا في أجواء طبيعية، لا يوجد لا ذلة ولا مسكنة ولا عداوة ولا بغضاء ولا، ولا.. كيف سيكونون؟ رهيبين، عندهم جرأة، عندهم استخفاف، ويبدو فعلاً أنها قضية لديهم ترسخت بشكل ثقافة، النظرة إلى الآخرين من البشر إلى درجة أنه كما يعرف عنهم، ويقال عنهم، أنهم لا يعتبرون الباقي من الناس أناساً بما تعنيه الكلمة، إنما هم حيوانات أخرى، مخلوق آخر؛ ولهذا يحاولون وعن طريق أبحاث معينة يطلعون أن أصل هذا الإنسان قرد، أو شيء من هذا، يعتبرونه مخلوقاً ثانياً، خلق فقط لخدمتهم، وإنما خلق على شكلهم لينسجم معهم في خدمتهم!!.

إذاً هم لا يقيمون لهذا الإنسان أيَّ وزن على الإطلاق، لا يقيمون له أيَّ وزن حتى منهم، لاحظ لجرأتهم حتى منهم، على مستوى أنبياء؛ لذلك عندما نسمع أحداثاً كهذه، مثلما حصل في [تركيا] لا تستبعد على الإطلاق، البعض من الناس استبعدوا بأنه كيف يمكن أن الأمريكيين يقتلون أصحابهم في حادث [نيويورك] أو يقتلون مثلما حصل في معبد اليهود في تركيا، هؤلاء أناس ما كأنهم يقرؤون القرآن، أليس الله يذكر عنهم في أكثر من آية أنهم يقتلون الأنبياء؟ وهم أنبياء منهم، بغير حق، فكيف لا يقتل من أجل مصلحة سياسية كبيرة، وهو يعتبر أنه سيترتب عليها مصالح مادية، وسياسية كبيرة جداً؟! سيدمر ولو مليون شخص، لا يبالي، منهم، ما بالك من الآخرين. إذاً فهل تتوقع لناس من هذا النوع أن يكونوا متجهين لتحرير الآخرين، أو للحفاظ على أمن الشعوب الأخرى، شعوب عربية إسلامية، شعوب أخرى؟ أبداً، فهم مخادعون، مضللون، كذابون، هكذا قدمهم الله في القرآن الكريم؛ ليكون الناس منهم على حذر.

{وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ} فمن هنا نفهم معنى أن يقول: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} لأن بني إسرائيل سيحصل منهم مثل ذلك، فنفسياتهم كنفسيات ذلك الذي قتل أخاه بدون حق هكذا.. {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ}. {وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(المائدة من الآية: 32) وهذه من البينات الهامة جداً أن يقال لهم: أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً، يبتعدون عن هذه الجريمة الكبيرة التي هم قريبون منها، وليوقعوا هذه العقوبة، عقوبة الإعدام عليه؛ لأنه ارتكب جريمة كبيرة جداً، فكأنه قتل الناس جميعاً، هل ما زال بالإمكان أن تقول أمام هذه: أن نحاول أن نلغي العقوبة هذه، من أجل الحفاظ على حياته، وهو في الواقع كأنه قتل الناس جميعاً؟.

عندما قال في الآية: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ} يأتي أيضاً {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة: 33) فلتعرف أن هذه الأحكام ضرورية جداً للبشر، لحياة الناس، حياتهم هم، ولممتلكاتهم، وأعراضهم، فيأتي هذا الحكم الإلهي من القصاص؛ لأن هناك حاجة ماسة إلى هذا الحكم، والله هو الذي يعلم، وهو الذي له الحكم، وله الأمر في عباده كما قال سابقاً: {إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا}(النساء من الآية: 135) هو أولى بعباده، فبالنسبة للقتل هناك حكم القاتل، وهنا أيضاً الذين يسعون في الأرض فساداً.

الإفساد في الأرض لا يتوقف فقط على موضوع مثلاً الإفساد الثقافي فقط، الإفساد في الأرض، ممتلكات الناس، أموال الناس، إهلاك الحرث والنسل، كما قال الله، ألم يقل هناك: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة من الآية: 64) {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}(البقرة: 205) هناك شخـَّص لنا الفساد، أي: أن من الفساد الذي هذا حكمه، هذا الفساد الذي يقوم به فعلاً بنوا إسرائيل، فعلى الرغم مما قال بالنسبة لعقوبة القصاص: أنهم أحوج من تقام عليه هم، يعني: هم أحق فئة تقام عليهم هذه العقوبة، وأحوج فئة لأن تقام عليهم هذه العقوبة؛ ليرتدعوا عن قتل الناس؛ لأنهم جريئين، كذلك موضوع الإفساد {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} لأن الله سبحانه وتعالى يريد الإصلاح لعباده، وصلاح أرضه لعباده، ورسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) كذلك يريد للناس أن يكون هناك في حياتهم استقرار، حفاظاً على أنفسهم، حفاظاً على دمائهم، على أموالهم، على ممتلكاتهم، حفاظاً على واقع الحياة هذه ليكون بعيداً عن الفساد.

تجد الفساد الكبير يأتي من عندهم حتى فيما يتعلق بالبيئة؛ لأنهم أناس جشعون، ولا قيمة للبشر لديهم، هم يمتلكون كثيراً من الشركات الكبرى التي تتولى الصناعات الثقيلة، وصناعات كيماوية، وصناعات تكون نفاياتها تترك آثاراً سيئة جداً في التربة، وفي الإنسان، لا يحسبون حساباً للناس نهائياً، إلا إذا كان هناك شعب يراقب، ويعرف، ويضج متى ما عرف أن هناك حاويات فيها نفايات معينة، لأنهم أحياناً يصدرونها إلى بلدان فقيرة كهذه، رشاوى معينة لمسئولين معينين يعطونهم فيقبل أن تسكب نفايات كهذه في بلاده، أيضاً تحصل من صناعاتهم الكبيرة فيما يتعلق بالطاقة التي يستخدمونها لا يبالون أن تكون بالشكل الذي يفسد الجو، يفسد الأرض والجو وليس فقط الأرض، ولا يبالون بهذه. {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} أن تأتي العبارة على هذا النحو: يحاربون الله، مع أن القضية هي تتعلق بمن؟ بالناس ما كأنها هنا تكشف لنا – إن صحت العبارة – اهتماماً، أو أن القضية محط عناية إلهية كبرى، قضية الناس، ومصلحة الناس، واستقامة حياتهم، لتكون حياة صالحة، فكأن من حارب الناس ليفسد في الأرض على هذا النحو إنما هو محارب لله ورسوله، مثلما قال في الربا، ألم يقل: {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ}(البقرة من الآية: 279).

القضية على هذا النحو، ليس هناك حاجة إلى أنك تربطها بما يتعلق بمجرد دعوة، أن هذه حتى لو جاءت من ناس هم أنفسهم مسلمون، ومعتقداتهم طبيعية، لكن يتحرك، إفساد في الأرض على هذا النحو الذي عرف عن بني إسرائيل، فعلاً أنه يعتبر في موقف هو محارب لله ورسوله، لا تقصر على الإطلاق الآية هذه على ما قدم في سبب نزولها، من يسمى [متقطعين] المتقطعون هم فئة، هم نوعية، وقد يكونون من أقل الأنواع التي تشملها الآية هذه، هناك مفسدون عالميون، هناك إفساد عالمي، ليس معنى المسألة بأنه، عندما يقولون: محارب لله ورسوله، يربطونها وكأنها عبارة عن صد عن دينه على أساس فكرة: أن الدين هذا كأنه لا علاقة له بحياة الإنسان، ومصالح الإنسان، لا، بل المسألة على هذا النحو، القضية هامة جداً عند الله ورسوله – إن صحت عبارة هامة – على ما نملك من عبارات، بمعنى أنه يجعل من يفسد في أرضه، ويفسد على عباده، يعتبر محارباً له ولرسوله.

أليس هذا يعتبر أعلى مثل لاهتمام الدين بالإنسان، بحياة الإنسان، بمصالح الإنسان؟ لكن دائماً يتناولها الفقهاء والمفسرون حول الذين يقولون أنهم سبب نزولها: أناس خرجوا إلى منطقة، وقد أعطاهم رسول الله إبلاً، ثم في الأخير قتلوا الراعي، واتقطعوا… إلى آخره، ثم يبحثون في أحكامهم [فإن كان قد قَتَل، قُتِل، وإن كان لم يقتل.. وإن كان.. وإن كان…] ويتركون أمامك هذه النقطة، يجب أن تقرأها في موضعها، هنا، تقرأها في موضعها، في إطار وكأنه يقدم قضايا عالمية، وينبئ عن خطورة عالمية، لا تربطها فقط بمثال معين، وأبحاث فقهية حول حكم المتقطعين، فيما إذا كان قد قتل، أو ما قتل، وأشياء من هذه، لا، هناك مفسدون عالميون، المفسدون العالميون هؤلاء، أو إقليميون، أو وطنيون، أو كيفما كانوا، مفسدون في الأرض، يعتبرون حرباً لله ورسوله.

فيما يتعلق بتصنيف الموقف منهم، هي قضية أيضاً ليست قضية مفتوحة لكل إنسان ينطلق فيها. لا. إن القرآن كله مبني من أوله إلى آخره، مبني على أن هناك دولة قرآنية، أن هناك أمة قرآنية، تقيم القسط، هي المعنية هي بتقييم القضية، وفي نفس الوقت بإجراء الحكم الإلهي، والذي قد يكون واحد من ثلاثة، أو ثلاثة، أو اثنين، مثلاً عندما يقول: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}(المائدة: من الآية33) هكذا من البداية، وإن لم يكونوا قد قتلوا؛ لأنك لاحظ عندما يقول بعد: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 34) أما من قد قتل فعلاً هناك حكمه، سواء كان ممن هو متقطع أو غير متقطع، من قد قتل، أو قد أخذ مالاً، أو قد ظلم إنساناً، أو جرحه بجرح معين، يجرى عليه الحكم، لكن هم يربطون القضية: {أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} على أساس أنهم قد ارتكبوا، ودائماً يربطون المسألة بهذه، بالمتقطعين فقط، متقطعين. لا. أمامك المفسدون العالميون.

أولئك هم فئة من المفسدين في الأرض، نوعية منهم، المتقطعون الذين يتقطعون للناس، وينهبون أموالهم، هذا فساد في الأرض؛ لأنه يؤدي إلى ماذا؟ يؤدي إلى أن الناس لا يعودون يستطيعون أن يتحركوا في التجارة، في السفر، في الحركة من بلد إلى بلد، عندما يصبحون متقطعين، ويخيفون الناس، ويأخذون أموالهم، هؤلاء ممن يجرى عليهم الحكم لماذا؟ لأنهم مفسدون في الأرض. يبين بأنه هكذا حكم الله سبحانه وتعالى، وسنته في المجرمين، أن يكون هناك عقاب من الدنيا إلى الآخرة، من هذه الحياة: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ}(المائدة من الآية: 34) رجعوا وسلموا أنفسهم، وتابوا إلى الله {مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} من قبل أن تقبضوا عليهم، أما الشخص الذي عندما تقبض عليه بعد ذلك يتوب فتعتبر المسألة هذه حيلة، فتقيَّم في حينها، أيضاً تقيَّم بعض القضايا في حينها، أحياناً قد يكون هناك بعض أشخاص ممن يقال لهم: مغرر بهم، بعض أشخاص قد يكونون مغرر بهم، قد يكون جديداً في القضية، ولا هو فعلاً عنده… زين له الآخرون، قد يكون هذا مظنة فعلاً أن تكون هذه أول وآخر قضية يعملها، تقدر بقدرها، وتقيم في وقتها.

{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 34) هذه قضية لا تخضع للاجتهادات، والرؤى الخاصة، أو الرؤى الطائفية والمذهبية بين الناس، أن يعتبر أحد من الناس أن الآخرين قد صاروا يعتبرون من المفسدين في الأرض؛ لأنه مخالف لمذهبه، هذا شيء آخر يُقيَّم في حينه، إذا كانت دعوته هي تؤدي إلى فساد في الأرض فعلاً، عادة الإفساد في الأرض إنما يأتي على يد الإنسان، هذا عام، فإذا كان ما يعمله هو فعلاً يؤدي إلى أن يصبح الإنسان مفسداً في الأرض، فيمكن أن تكون القضية شاملة، أن يصبح مفسداً في الأرض، ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار {فِي الْأَرْضِ} ليس معناه: واقفين في الأرض، كل الناس في الأرض المفسدين والمصلحين، أليسوا كلهم في الأرض؟ لكن الفساد الذي يؤثر فعلاً على حركة الحياة هذه، واستقامة الحياة هذه وصلاحها، فيما يتعلق بحرث ونسل، وحركة تجارة، وأشياء من هذه، تشمله الآية.

فإن كان ما تعنيه كلمة: فساد، ومفسد، قد تتناول حتى من عنده رؤية ثقافية خطأ، أليست تعتبر فساداً؟ لكن أحياناً لا تؤدي إلى ماذا؟ إلى إخراج مثلاً من يعتنقونها فيتحولون إلى مفسدين في الأرض، مفسدين، فاسد، هذا يسمى فاسد، المنافق أليس يسمى مفسداً؟ يسمى مفسداً.

إذاً لم يأت الحكم هنا بالنسبة للمنافق على هذا النحو، هناك في آيات أخرى؛ لنعرف أنه فعلا القضية هنا مرتبطة بماذا؟ بالإفساد في الأرض، يعني: بحركة الحياة هذه على الوجه الصحيح، تستقيم معايش الناس، ويأمن الناس، وتستقر حياتهم، معنى هذا بأن من يتجهون ليسعوا في الأرض فساداً أنهم محاربون لله ورسوله، عندما يكون هناك أناس متقطعون، وعنده أنه متفود، ولا كأنه يعمل شيئاً، وكأنه يعتبر أنه فقط على أناس.. لا، أنت هنا في مقام تعتبر محارباً لله ورسوله، فيجب أن تفهم بأنك عندما تكون في موقع أنت فيه حرب لله ورسوله ستكون أنت المغلوب، سواء على مستوى متقطع، أو أمة، أو دولة مفسدة في الأرض، أنك ستنتهي إلى أن تغلب، من الذي يمكن أن يدخل في حرب مع الله ثم في الأخير يحصل تعادل؟ لا يمكن على الإطلاق، متى ما ذكر بأنه فعلاً {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} وهنا {يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} معناها سيغلبون في الأخير، وكما يذكرون فعلاً بأنه كثير ممن كانوا يتقطعون انتهت حياتهم فعلاً بطريقة سيئة ممن كانوا يتقطعون، ولم يتوبوا، ولم يرجعوا، أنهم فعلاً انتهت حياتهم إلى مصائب حصلت لهم، انتهوا، كثير منهم. كذلك الأمم المفسدة، كذلك الفئات المفسدة توقع لها فعلاً عندما تعتبر محاربة لله ورسوله، توقع لها فعلاً أن تنتهي وتهزم وتضرب.

عندما يقول البعض: [الإسلام لا علاقة له بالحياة] هذا أبرز مثال يدل على أن أموال الناس، وممتلكاتهم، أمنهم، استقرار حياتهم، مصالحهم، محط اهتمام كبير جداً، جداً في الإسلام، هنا يعتبر المفسدين في الأرض حرباً لله ورسوله يعني: ما كأنه يعتبرهم محاربين للناس، هذه قد لا تحصل مثلاً في داخل الناس أنفسهم إلا عند الناس الذين هم يهتمون بك جداً، ويعتبرون أن نفسك أغلى من نفوسهم، وأموالك أغلى من أموالهم، عندما يقول: لاحظ، اعتداؤك على فلان يعني اعتداء علي، أليس هذا قمة المصداقية بين الناس، أو الوفاء مع بعضهم بعض، أو وده لك، واهتمامه بك أن يقول: لاحظ، محاربتك له اعتبرها حرباً لي أنا، لا تحصل بين الناس – أحياناً – إلى الدرجة هذه، الذين بينهم صُحَب وبينهم مواقف يوقفون مع بعضهم بعض إلا أنه يعتبر أن من حاربك فسنحاربه جميعاً، هنا يقول: اعتبروا أنفسكم محاربين لله ورسوله، من حارب الناس، وحارب أرض الناس هؤلاء، يفسد فيها، من أفسد فيعتبر حرباً لله ورسوله.

لاحظ كيف تأتي العقوبة هنا بشكل ليكونوا عبرة للآخرين، ولتبين فضاعة هذه الجريمة التي عملوها، الفساد في الأرض {أَن يُقَتَّلُواْ} فيها أيضاً أكثر من أن يقتلوا {يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} فيمشي على رجل ويد، فلا يعد إلا نصف؛ ليكون عبرة {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} تكون عقوبة خزي، فيها خزي لهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(المائدة: 35) يأتي بالجهاد، الجهاد هو أساسي في ماذا؟ في إصلاح الأرض، في إصلاح الأمة، في إصلاح حياة الناس؛ ولهذا سما الله المجاهدين محسنين وفعلاً بأعمالهم يقدمون إحساناً للبشر الآخرين، مجاهدون في شعب معين ماذا يعني في الأخير؟ أليس هذا يعني أنهم يحولون دون احتلاله، دون نهب أموال الناس، دون هتك أعراضهم، دون تدمير بيوتهم، دون… ماذا يعني هذا؟ ألا يعني: مصلحين؟ أليس هؤلاء يجاهدون، وتكون النتيجة إصلاح لحياة الناس؟ لكن الأمور الآن معكوسة، المفسدون العالميون الذين هذا حكمهم {أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ} يحاولون أن يتوددوا إليهم بأي طريقة، يتوبون إليهم هم وليس {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} هم يرجعون إليهم، ويفسحون المجال أمامهم ليفسدوا، بأن يقولوا: لا يتحدث أحد عن موضوع الجهاد، في خطبة، أو في آيات يقرأها، أو أن يوعي الناس توعية جهادية، لا، اترك المجال مفتوحاً للمفسدين أن يقتلوا الناس، ويصلبوهم، ويقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويدمروا بيوتهم، ويهلكوا حرثهم، ونسلهم!.

أليس هذا هو العمى؟ هذا هو الشقاء، وهذا هو الجريمة الكبيرة، أن يكون حكم الله فيهم هو هذا فيأتي الآخرون يحاولون أن يجعلوا الحكم بأن يفسح المجال أمامهم ليفسدوا في الأرض، وقال عن بني إسرائيل في آيات أخرى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية64) وبإسراف مثلما قال سابقاً: {ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}(المائدة من الآية: 32) فساد، سعي، يسعون إلى الفساد وبإسراف وليس فساداً أحياناً، أو بمقدار محدود، أو في جانب دون جانب، بكل ما تعنيه كلمة فساد، يصلون إلى النسل، أن لا ينجب الناس من جديد، يكفي، الذي يفكر بأن لا تنجب نهائياً أليس معناه بأنه يفكر بأن يزيل هذا الجنس من أمامه؛ لأن المسألة تكون صعبة عليه، أنه كلما حاول أن يميت أناساً بأي طريقة، كلما أنجبوا، أنجبوا على طول، يقطع النسل أولاً، وفي الأخير يحاول يدبر الموجودين، أليست هذه فكرة فساد في الأرض رهيبة، وجرأة؟ كما حكى الله عن ابن آدم الأول؛ ولذلك قال: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} عندهم جرأة على مستوى البشر.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ} هذه المقدمة {اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} ابحثوا أنتم، ابحث أنت، واطلب أنت ما يقربك إلى الله؛ فيأتي بكلمة: {وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ} هل يمكن أن يأتي بكلمة: وجاهدوا دون أن تكون هذه تعني: أن هذا من أعظم القرب عند الله، وأعظم الوسائل عنده. إذاً ليس أن تبتغوا، وتطلبوا أن لا تدخلوا في جهاد مهما كان بسيطاً، ولو كان حاصلاً، أو آخرين يبتغون أن لا يوجَّه الناس، ولا يربى الناس تربية قرآنية؛ ليكون عندهم روح جهادية! هو نفسه لا يبتغي هذه الوسيلة، وفي نفس الوقت يحاول في الآخرين أن لا يكون في أنفسهم أيُّ شعور بمسئولية لينطلقوا مجاهدين في سبيل الله.

{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} بكل ما تعنيه كلمة فلاح، فلا يكون هناك مفسدون في الأرض على هذا النحو، ولا يكون هناك ما يجعل الفساد يقعد الناس عن دين الله الذي من أبرز اهتماماته ما يتعلق بالحفاظ على كرامة الناس، واستقرار الحياة، استقرارها لتعتبر حياة أمن وسلم وخير، وهذا الذي وعد الله، ألم يعد بهذا؟ إذاً فلأن هناك أناساً من البشر على هذا النحو: مفسدون، فيجب أن يكون الجهاد قائماً. ولن تدخل في موضوع الجهاد – إذا أنت تجاهد على أساس القرآن – لن تدخل مع أمة هي مصلحة في الأرض؛ لأن الصلاح يتمثل في الأخير في ماذا؟ في الاهتداء بهدي الله، أليس الله يذكر لنا في أكثر من آية {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ} أوتوا نصيباً فلم يهتدوا به، فأصبحوا هكذا، أصبحوا مفسدين.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(المائدة: 36) جاء في آية مماثلة لهذا في الحديث عن بني إسرائيل الآية التي يقول فيها: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}(البقرة من الآية: 48) ذكر فيها ما يتعلق بالطرف الآخر الذي يجب على الناس أن يجاهدوه؛ لأنه هنا عندما يقول لك: جاهد في سبيل الله، من خلال أن يبين لك الفئات الأخرى تكون عارفا بفطرتك، وبمشاهدتك، وباستقرائك للتاريخ ولواقعك أن الجهاد في الإسلام إنما هو لفئات كهذه، يعني أنت لن تقع في حرج أن الجهاد هنا الذي يأمر الإسلام الناس به أنه جهاد طيبين وخيرين ومصلحين في الأرض، أبداً، مفسدين في الأرض، كافرين، مخالفين لهدي الله، وأشياء من هذه، وهو نفس الأسلوب السابق الذي تحدثنا عنه كثيراً أن يطمئنك بالنسبة للطرف الآخر أنه ماذا؟ محط غضب إلهي، فهو في موقع ضعف.

وقد يفهم منها أن الناس الذين يرفضون، أن الإنسان قد يرفض من أجل أنه يريد حفاظاً على مصالحه، أو على شيء في الأرض معين، مظاهر حياة، أو بيته، أو أشياء من هذه، أليس هو قد يرفض الجهاد من أجل هذه؟ هو لا يعرف عواقب المسألة، أنك عندما ترفض تعتبر عاصياً لله سبحانه وتعالى، ومن أجل شيء بسيط من هذه الدنيا، يوم القيامة تتمنى أن هذه الأرض كلها لك لتفدي نفسك بها ولا تقبل منك على الإطلاق. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} لتمنوا أن يفتدوا به بديلاً عن أن يدخلوا النار. إذاً أليس الأسلم لك، والأفضل لتعيش سعيداً في هذه الحياة، ومعززاً مكرماً في هذه الحياة، وفي الآخرة الجنة، ولو أدى الموضوع إلى أن تضحي بنصف الأرض هذه، ولو بنصفها هنا وما زلت هنا في الأرض، لو أدى الموضوع إلى أن تضحي بنصف هذه الأرض وهي لك لكنت رابحاً، وكنت مفلحاً.

إذاً هم خاسرون بكل المقاييس، الذين يحاولون أن يتراجعوا عن الجهاد من أجل أشياء معينة، مصلحة لا تساوي شيئا، لا تعتبر نصف مديرية هو فيها، قد لا تعتبر نصف قرية هو فيها، فتكون النتيجة في الأخير أنه يتمنى أن تكون له الأرض ذهباً – مثلما جاء في آية أخرى – ذهباً، وسيسلمها إذا كان سيقبل الله، أو يقبل زبانية جهنم يأخذونها منه ولا يدخل النار، أليست هنا ستصبح لا شيء عنده، ويتمنى أن يقبلوها منه؟.

إذاً معنى ذلك أنك تسارع أن تفدي نفسك هنا في الأرض، وأنت مازلت في هذه الحياة، تفدي نفسك من غضب الله، وسترى الله على ما وعد في كثير من الآيات، ألم يعد بأن الإنسان كلما يقدمه في سبيله سيخلفه عليه؟ الله لا يقبل على الإطلاق أن يكون أحد خاسراً معه نهائياً، حتى لو خسرت روحك سيجعلك حياً وبسرعة، لا يوجد هناك خسارة نهائياً؛ ولهذا يقول: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وبكل ما تعنيه الكلمة في كل المجالات.

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}(المائدة:26 – 37) لاحظ هنا العلاقة فعلاً؛ ولذلك نحن نقول أكثر من مرة: بأن القرآن يلامس مشاعر الإنسان، يعني: ناس قاعدين، لا يريدون أن يجاهدوا، وترى عنده مشاعر معينة، يريد أن يقيم فيما لديه من الأرض، وهي ليست شيئاً، ويريد أن لا يخرج منها، وفي نفس الوقت لا يبالي أن تكون العاقبة كيفما كانت، أليست هذه كلها تشكل عوائق عند الناس؟ يأتي بكلام يزيح مثل هذا الشعور بحيث أنك تعرف نفسك بأنك خاسر، ستكون خاسراً، وفعلاً عندما يراجع الإنسان نفسه فيرى بأنه قاعد من أجل بيت ومزرعة ودكان وأشياء من هذه، ويريد أن لا أحد يزعجه، يريد إقامة، ولا أحد يزعجه نهائياً، المزعجين سيأتونك، إنما الجهاد لتضرب أولئك المزعجين الذين يريدون أن يقيموا بدلاً عنك في أرضك، وفي ممتلكاتك. فعندما يرى نفسه في الأخير بأنه سيصل إلى حالة أن يقيم في عذاب، هذا العذاب شديد يتمنى أنه يملك ما في الأرض ومثله معه ليفدي نفسه به، هذه تعتبر خسارة كبيرة.

أن تأتي الآية على هذا النحو؛ لتنسف عند الإنسان أيَّ مشاعر تشده إلى ماذا؟ إلى قطعة أرض، مزرعة وفيها غرف وأشياء من هذه، ورآها جميلة، أو حديقة معينة، أو دكاكين، أو كيفما كانت، وإن كانت مملكة ليست بشيء، لأن الجهاد مهم جداً، فيأتي بهذه الآية التي فيها أمر مؤكد، ويلفت الانتباه إلى أهمية القضية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ}(المائدة:35) أن تأتي بعد الحديث عن المفسدين في الأرض، ألم يأت بعد الحديث عن المفسدين في الأرض؟ أن الجهاد لا بديل عنه؛ لأن لا يكون هناك فساد في الأرض. عندما يكون واحد هنا في الدنيا يريد يخرج لكن ينظر إلى مزرعته وبيته وأموره، وجلس، إذاً سيأتي له هذه الحالة {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} أليس في الأخير يقيم، يحاول يخرج من بيته، ثم في الأخير يعجبه يقيم، في النار ستحاول تخرج ولا يتركونك تخرج، {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} بدل يوم كنت تحاول الإقامة ولا تعتبر ذلك مشكلة.

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}(المائدة من الآية: 38) أليس الجهاد جاء هنا متوسطاً للحديث حول الفساد في الأرض على هذا النحو؟ بما فيها ماذا؟ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} السارق هنا هل هو يسرق ديناً، أو أنه يسرق حق الناس؛ لأن الدين هو لرعاية الناس، وحماية الناس. {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(المائدة: 38) إذاً هو يقدم للناس قائمة بعد أن قال لهم: {كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}(النساء من الآية: 135) {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}(المائدة من الآية:8) هذه هي مهام أمة أن تكون قائمة بالقسط، محاربة لمفسدين في الأرض، جهاد في سبيل الله، إقامة لحدود الله.

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} وهذا مما يحاولون أن يحاربوها، عقوبة السرق؛ لأنه فعلاً المفسد يعتبر أن هذه القضية فضيعة؛ لأنه لا يريد أحداً أن يقتله، ولا يريد أحداً أن يقطع يده؛ لأنهم سرق كبار، فيحاول ماذا؟ أنه أيّ شيء يشكل خطورة عليه يزيحه، وكما هي عادتهم تحت عناوين أخرى، مثلاً [بشعة، بشعة] ليس أبشع من أخذ أموال الناس، هذه هي البشاعة، يأتي واحد مثلاً يشتغل فترة طويلة، ويبيع أشياء من ممتلكاته، واشترى له سيارة، وقد عزم على أن يترزق الله عليها، جاء السرق وأخذوها عليه، أليست هذه حالة سيئة جداً؟ كيف ستكون نفسيته؟ ستكون نفسيته منهارة, هذه هي البشاعة، أما السارق فعلاً الذي عندما نأتي نقف في الموضوع، هنا أمامك شخص مرتاح جداً، أنه قد أخذ سيارة ذلك، وذلك الشخص في حالة سيئة، محطم نفسياً، يعود إلى البيت، لا يستطيع أن ينام، ولا يستطيع أن يأكل، ولا يعد يهنأ بشيء. إذاً نقول: لا، لا، أترك ذلك يموت بقهره، وهذا السارق نحافظ عليه، ولا تقطع يده أبداً!! أليس معناه أننا نضيف له سروراً إلى سروره؟ ينطلق أكثر يسرق، ما بالك بالسرق الكبار.

هنا يقول أيضاً في هذا الحكم، يبين للناس أن هذه الفئة من الناس فعلاً موقع ظلم للآخرين، ظلم شديد، يلاحظ واحد نفسه هو، أحياناً بعض المرضى يجمع له فلوس، ويطلب معونة من الناس، ويبيع من ممتلكاته، وسافر بلدة معينة، أو دخل العاصمة، يريد يتعالج، وفلوسه في جيبه، وهو لا يعرف إجراءات معينة، تحويلات بنكية، وأشياء من هذه، وجاء شخص وأخذها من جيبه، أو لقيه اثنان وأخذوها عليه من جيبه، وهو مريض يريد يتعالج بها، والسارق قد يكون صحيح الجسم مثل [الثور] إنما فقط سيأخذها، ويلعب بها، هذا أيضاً لا يقام الحد عليه! لا تقطع يده، يموت ذلك المريض الذي باع حقه [واتعون] وبذل ماء وجهه من أجل أنه يذهب يتعالج، لا عليه يموت، نحافظ على السارق هذا!! هم فعلاً كل فكرتهم – لأنهم مفسدون – حريصون جداً على أن لا تكون هناك عقوبات لمفسدين، والقرآن يقدم هنا أنه فعلاً من تتوجه إليهم هذه العقوبات هم مفسدون، وهم المفسدون، هم يدافعون عن إنزال عقوبات، وإقامة حدود على مفسدين. إذاً هذا نفسه مما يؤكد لنا أنهم مفسدون في الأرض، أليس هذا مما يؤكد لنا أنهم مفسدون في الأرض؟.

المفسدون في الأرض – مثلما تقول – الآن مثقفين، قانونيين، يحاول على أن لا يلحقه القانون، أن لا يلحقه الشرع؛ ليتمكن من أن يرتكب جريمة، ويفسد، ويأخذ أموال الناس، وما هناك أي شيء يخافه نهائياً، عقوبات في الحياة ضرورية، لأن الكثير منهم أصحاب نفوس خبيثة، لا يخاف الله، مثلما ذكر في قصة ابني آدم، واحد نفسه خبيثة هو لا يذكر الله، ولا يخاف الله، يعني: ناسي لله، لا تتوقع إنساناً يعرف الله ولا يخافه، يعرفه حق المعرفة ثم لا يخافه، لكن ناسي لله تماماً {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ} مطيع لنفسه، نفوس خبيثة، أن يقول واحد: [يكفي، وسيأتي لهم عقوبة هناك] هذه سنة إلهية، عقوبة هنا، عقوبة هنا في هذه الحياة تأتي حتى لغير هؤلاء، هناك عقوبات كثيرة جداً.

إذاً لا بد أن تنزل عقوبة بهؤلاء، ويكون هناك أمامهم عقوبات يخافون منها؛ لأن لا يرتكبوا مثل هذه الجرائم؛ لأنهم ليسوا نوعية يمكن أن تخاف الله رب العالمين، فتقول: أن هؤلاء هم يخافون الله لن تحصل منهم جريمة كهذه، لاحظ كيف يحاولون أن يحاربوا عقوبة الإعدام، وأن لا تقام حدود كهذه، كحدود السرقة، وشرب الخمر، وارتكاب الفاحشة، وكل ما كان محط حد من حدود الله، بل يزينون الجريمة الكبيرة هذه: احتلال الشعوب، أخذ شعب بكله إلى جيبه، فتأتي الحكومات العربية التي هي تدين بهذا القرآن، وتؤمن به، كثير منها يحاولون أن لا ينفذون هذه العقوبات من أجل الغرب أن يرضى، من أجل أمريكا أن ترضى، من أجل أن لا نبدوا بصورة بشعة أمام الغرب، فيبدو وكأن ديننا هذا دين بشع!!.. لا. لاحظ أنه هنا قدم أن هذه الجرائم هي جرائم بشعة، وإنما يرتكبها مفسدون في الأرض، لا يخافون الله، يجب أن تكون هناك عقوبات تردعهم؛ لأن البشاعة هي أن تترك المجرمين طليقي الأيدي، لا يخافون أي شيء هنا، وفي نفس الوقت، لا يخافون الله رب العالمين، يحاولون فعلاً لا ينفذون هذه لا ينفذون العقوبات هذه من أجل أن ترضى أمريكا، والآن وصل الموضوع إلى ماذا؟ لأن يحاولوا يسترضونها إلى درجة إلغاء هذه الحدود الإلهية الهامة مثل قطع يد السارق! أليست أمريكا الآن متجهة لقطعهم من نصف ظهورهم؟ فعلاً.

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ}(المائدة: من الآية38) كما قال هناك في عقوبة القصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}(البقرة من الآية: 179) لأنه فعلاً قطع يد السارق هي نكال لما بين يديها وما خلفها، لن يجرؤ أحد أن يسرق، وهو يعرف أنها ستقطع يده، فتتحول يده إلى ما يشبه قطعة من الخشب. ولمصلحة مَن أن يكون هذا نكالا من الله؟ أليس لمصلحة الإنسان؟ ليأمن الناس على أموالهم.

{جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فهو عندما يشرع هذه العقوبة هنا في الحياة ليس على أساس الحقوا السارق؛ لأنه سيفلت من أيدينا، هو عزيز لا أحد يستطيع أن يمتنع منه، لكن من أجل الناس هنا، من أجلهم هنا، في هذه الحياة، وهو حكيم يعلم أن في تشريع حدود كهذه مصلحة لعباده، وصلاح في أرضه، لم يشرع هذا الحد على أساس أنه لن يستطيع أن يلحق بالسَّرق، وأنه الحقوهم؛ لأنني لا أستطيع ألحقهم! لا، هو عزيز، وهو حكيم. وللسارق أيضاً يتذكر بأنه إذا رأى أنه أمكن أن يسرق، ولا أمكن أن تصل إليه، تصل القضية إلى عدم إقامة الحد عليه، لأي الاعتبارات كان يعرف بأنه لن يفلت من يد الله، لن يفلت من يد الله أبداً.

{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(المائدة: 39) هذه دعوة لهم أن يتحولوا عن أخذ أموال الناس، وعن الفساد في الأرض أن يتوبوا إلى الله. {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(المائدة من الآية: 40) هذا هو ملكه، هذا تدبيره، أحكامه، تشريعه؛ لأنه هو الملك، هو الملك بكل ما تعنيه الكلمة، وليس المعنى أنه عمل انقلاب على آخر، هو الذي خلق هذه الأرض، وخلق السماء، وخلق ما فيهما، وخلق هذا الإنسان، وهو الذي له ملك السموات والأرض، فمن ملكه سبحانه وتعالى أنه: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(المائدة من الآية: 40) أي هو المدبر لشئون خلقه؛ لأنه ملك، وهذا يعطينا – مثلما تقول – جانب من معرفة الله التي نقول دائماً: نحن بحاجة إليها، أن نعرف أن الله ملك، وليس أن نكون مشغولين دائماً بمعرفة [أنه لا يشبهه شيء] انتهى الموضوع، لكن يجب أن نفهم كلما تعنيه هذه العبارة، أنه هو الملك، فهو الذي له الحق أن يشرع، لو أصبحت هذه المعرفة قائمة في نفوس الناس لكانوا دائماً مصريِّن على إقامة شرع الله.

لقلنا أبداً الذي له الحق أن يشرع لنا، وله الحق أن تقوم أحكامه علينا هو ملكنا، لسنا فارغين بدون سلطة، بدون ملك، الله هو ملكنا، لكن البشر لم يعودوا يلتفتون إلى الله وكأنه ملك، يقومون هم من جهة أنفسهم يعملون سلطة، ويعملون قوانين ويعملون كل شيء بعيدة عن أن تكون امتدادا لملك الله سبحانه وتعالى، لكن هو ملك يدبر في نفس الوقت، عندما لا يستمعون يضربهم، عزيز حكيم، على كل شيء قدير.

لكن تلاحظ أن هناك مظهراً فعلاً ملموس بالنسبة للمسلمين أنفسهم، بالنسبة لكل طائفة هي تدعي بأنها محقة بما فيها نحن الزيود، ألسنا ندعي أننا الطائفة المحقة، إذاً هنا الناس كمسلمين تتكرر هذه الكلمة كثيراً في القرآن {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} لكن لم تعد تقدم ضمن معرفة الله سبحانه وتعالى، فأصبحنا وإذا نحن نشعر بفراغ، فراغ سلطة، وفراغ قانوني، ألم يصبح الناس هكذا، المسلمون؟ فجاء الغربيون وعبئوا هذا الفراغ عن طريق دساتير، قوانين، ومستشارين قانونيين من هناك ليعبئوا هذا الفراغ، والناس هنا في هذه الحياة كل واحد من عنده بشطارته، من يعمل انقلاب عسكري وأصبح يمثل سلطة، أو سلطة مثلاً تكون هناك وراثة أو كيفما كان الأمر، المهم ناسين أن الله هو ملك السموات والأرض، حتى نقول: نحن لسنا نعيش حالة فراغ، أحكام الله موجودة يجب أن تطبق، شرع الله يجب أن يطبق، إذاً لسنا بحاجة إلى أطراف أخرى أن تشرع لنا.

أما أن تصل المسألة إلى محاولة أن يكون ما يأتي من تشريع من جهة الناس، يكون أيضاً بالشكل الذي يقدم شرع الله خطأ فهذه أيضاً جريمة ثانية كبيرة، الله يقول: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(المائدة من الآية: 40) بمعنى ماذا؟ إعلم، إعلم، إعلموا أن الله له ملك السموات والأرض حتى تروا بأنه أولى بكم، وتعرفون أيضاً كيف ملكه فيكم، ملك الله لعباده ملك رحمة ليس ملك تسلط وقهر وطغيان وجبروت كما هو ملك البشر.

هذا من الأشياء الغريبة أنهم ملاحقين وراءك حتى لا يطلع في نفسك تشبيه لله، وهذه نحن نقول: هي قضية بعيدة عن الذهنية، مضمون أن لا يحصل تشبيه إذا ترك الناس على فطرتهم، ويقدم لهم القرآن، ما يحصل تشبيه في النفوس لله نهائياً [معرفة الله: أن لا يشبهه شيء، أن لا يشبهه شيء على طول على طول] والآخرين من هناك: [أن معه وجه ومعه يدين..] وناسين قضايا هامة جداً في معرفته، أن نعرف أنه الملك، إذا ما ترسخت هذه القضية عند الناس، عند عباده أنه ملكهم كانوا قريبين بأن يطبق شرعه عليهم، ولا يقبلون أيّ شرع آخر يطبق عليهم غير شرعه، ولا أحد فعلاً يستطيع أن يحول دون ملكه، لكنهم يسلكون بهم طرقاً أخرى، الدول التي تحاول فعلاً أن لا يقطعوا يد السارق؛ لأن الكثير منهم سرق، وعادة، هذه عادة لا يحاول أن يحارب إقامة حدود كهذه إلا من هم ممكن أن يرتكبوا، ومتجهين لارتكابها، من أجل أن لا تطاله يد القانون كما يقولون.

إذاً عندما حاولوا أن لا تقام هذه الحدود من أجل الغرب، أليسوا ناسين لملك السماوات والأرض؟ إذاً تجد في الأخير أليست يد الغرب الآن متجهة لقطعهم، هم من ضمن تدبيره هو ملك، وليس أن الله في الأخير يُنفى كما يحصل لملك في هذه الدنيا، أو زعيم عملوا انقلاباً عليه ونفوه، قد صار هناك في أي بلد آخر، في بريطانيا، أو في فرنسا! لا، إذا أرادوا أن يطبقوا أحكامه وإلا طبق هو أحكامه، هو مدبر يومياً {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}(الرحمن من الآية: 29) {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}(السجدة: 5) من تدبيره في الأرض نفسها ما بالك باقي العالم، من تدبيره في اليوم الواحد ما يساوي ألف سنة في هذه الأرض ماذا يعني؟ تدبير مُلْك، وهو واضح فعلاً الآن تدبيره تدبير مُلْك واضح، أليسوا الآن يحاولون بأي طريقة يسترضون اليد الأمريكية التي تريد أن تقطعهم، ولم يعد ينفع هذا نهائياً؛ لأنهم كل عملهم في الماضي ساهرون من أجل أن ترضى عنهم أمريكا، ويكفرون بشرع الله من أجل ماذا؟ أن يسترضوا الآخرين ويأخذوا منهم شرائع أخرى غير شرائع الله.

تأتي الآية هنا: {أَلَمْ تَعْلَمْ} أليست هنا موجهة بصورة أولية إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هكذا هو يشرع، وهكذا سبحانه وتعالى هو يدبر، وهو العزيز الحكيم، ألم تعلم أنه ملك السموات والأرض؟ بمعنى: أن هذه القضية قد تغيب عن ذهنية الناس، وان محاولة ترسيخها في الذهنية قضية هامة؛ لهذا نحن نقول: أن معرفة الله لا تحصل على الإطلاق إلا من خلال القرآن، أما معارف أخرى من داخل كتب علم الكلام فهي معرفة أحيانا تتناول الأشياء التي لا وجود لها، أشياء لا وجود لها إطلاقاً، قضية التشبيه لن يحصل في ذهنك تشبيه لله، إلا أن يقدم لك بشكل عقائدي، وترسم صورة، ويحاولون أن يدخلوها في ذهنك غصباً عنك كما يعمل الآخرون، لكن في وضعيتك الطبيعية لا مجال للتشبيه نهائياً، نحن من هنا مشغولون بهذه، والآخرون من هناك مشغولون بأن الله له وجه ويدين، ويجب أن تؤمن بأن له وجه ويدين، إلى أن صرنا لم نعد نعرف وجوهنا من خلف رؤوسنا في هذا العالم لماذا؟ لأننا لم نعرف أنه ملك، أنه الإله فنعرف ما تعنيه هذه الكلمة.

{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً}(المائدة من الآية: 41) إلى آخر الآية. لاحظ بني إسرائيل فيما يتعلق بتشريعات من هذه دائماً يحتاجون أن يكون لهم [شور وقول] فيها، لا يحزنك هؤلاء، لا تهتم بهم، وتعني بشكل أساسي: أن الناس كل الناس في مجال تطبيق شرع الله يجب أن لا يراعوا الآخرين، والذين هم هؤلاء، وهذا الذي حصل، ألم ينطلقوا في الابتعاد عن تطبيق شرع الله، والالتزام به من أجل الآخرين؛ لأنهم أصبحوا يحزنهم أن يستاء الآخرون من أن نطبق شرع الله هنا، نحن نريد أن لا يحزنوا، هنا يقدم في البداية توجيهاً للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله) لا تهتم بهم، لا تحزن، لا يحزنك أمرهم أنهم يستاءون، أو أي شيء من هذه، أو يقولوا ما قالوا في مواجهة أنك تطبق شرع الله، وتعلن شرع الله ما هو.

إذاً أليس المسلمون بحاجة إلى هذه التربية، وهم فعلاً إنما اتجهوا للقضاء على الكثير من حدود الله وشرعه من أجل أن لا يستاء الآخرون؛ لأنه يحزنهم أن يستاء الآخرون، يريدون أن يرضوا عنهم، من اليهود والنصارى، أو منافقين، لأنه فعلاً من الذي سيستاء؟ الجهات المفسدة فقط، من إقامة أحكام الله من الذي سيستاء من إقامة جهاد؟ مَنهم؟ المفسدون، مَن الذي سيستاء من إقامة حدود الله، إقامة شرعه، من؟ المفسد؛ لأنه يعرف أن معناه إقامته عليه، أليسوا هم هكذا يتجهون أن لا يكون هناك حديث عن الجهاد؛ لأنهم يعرفون أن الجهاد معناه أن يجاهدهم الناس، متأكد من هذا؛ ولهذا يحاولون أن يعمموا داخل وسائل الإعلام في كل البلدان، محاولة أن يكون هناك توجيهات أخرى: وسطية، ولا تشدد، وأشياء من هذه، عارفين أنهم هم المفسدون، الأحكام تقام عليهم، والجهاد يعني: جهادهم، إقامة الحدود يعني: إقامتها عليهم.

فلا يحزنك هؤلاء {الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ}(المائدة من الآية: 41) يقول واحد أنه إذا حاولنا أن نقيم الحدود فهذا قد يؤدي إلى أن الطرف الفلاني لا يرتاح فيؤدي إلى أن يضر بالمصلحة الوطنية، أو عناوين من هذه، لا تحسب لهم حساباً، لا ناس من داخل، ولا من خارج، فلا يحزنك أمرهم {مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ} لأن الفئتين هذه {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ}(المائدة من الآية: 41) معهم آخرين، هم ينطلقون بتوجيهاتهم، فلا يحزنك أمرهم بأنك تعتبر وكأنهم من صفك، وكأنك تريد أن تسترضيهم بشيء معين، اعرف من البداية أنهم مرتبطون بآخرين لم يأتوك {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ}(البقرة من الآية: 14) كما يقول في آية أخرى.

ودائماً عندما يأتي الحديث عن بني إسرائيل بعد أشياء كثيرة سواءً ما كانت بشكل تشريعات معينة، أو تبيين إلهي، هدى إلهي، يأتي بحديث عن بني إسرائيل؛ لأنه فعلاً قدمهم في البداية أنهم يصدون عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً، وتراهم هكذا تصرفاتهم قلَب أمام كل قضية، حتى هنا في موضوع إقامة حدود الله، إقامة شرع الله، ألم يأت بالحديث فيما بعد عنهم؟ بشكل يوحي وكأن هؤلاء هم من سيحاولون أن يعملوا على أن لا تقام حدود الله، فيأتي بالحديث عنهم وبشكل أن لا تحسب لهم حساباً، لا يحزنك هؤلاء.

ثم تجد أنهم عندما ينطلقون بحملات دعائية، وقد يعملون ضغوطات معينة في محاولة أن لا تقام كثير من حدود الله وأحكام دينه، هل على أساس أن لديهم رؤية هم، رؤية هي أفضل، أو رؤية مساوية، أو منطلقين حتى انطلاق، منطلقين من نظرة تعني: نظرة إصلاح بما تعنيه الكلمة إنما هم يغلطون؟ لا.. هم في واقعهم شريرون، في واقعهم منزوون على أنفسهم، يقيسون الأشياء بمقياس مصالحهم، لا يهمهم باقي البشر، لا يهمهم الإصلاح في الأرض على الإطلاق.

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ}(المائدة من الآية: 41) هنا يعرض منطلقاتهم، وأهدافهم، وما يأخذون ويردون فيه، هل هو شيء يتناول مصلحة الناس؟ يهتم بمصلحة الناس؟. لا، {إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(المائدة من الآية: 41) هي قلوب فاسدة، قلوب خبيثة القلوب الفاسدة الخبيثة لا يمكن أن تنظر للبشرية بنظرة رحمة ولا برعاية مصلحة للبشر على الإطلاق {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة من الآية: 41) وكما هي نفس الطريقة لا تكترث بهؤلاء، ولا تقل أيضاً – ربما – أن لديهم نظرة، هذا الذي يحصل الآن للأسف، يحاولون أن يسكتوا عن حدود الله هنا في الدول العربية، في كثير من الدول الإسلامية يسكتون هناك، يوقفونها، ويستصدرون قوانين وبنظرة وكأنهم هم عندهم خبرة، عندهم رؤية، وعندهم، وعندهم… وفي نفس الوقت خائفين منهم، ألم يقفل الموضوع هنا تماماً، يبين لك أن هؤلاء في واقعهم عندما تراهم معارضين ليسوا منطلقين من رؤية صحيحة، ولا منطلقين من رؤية إيجابية للبشر أبداً، هكذا هم ناس قلوبهم نجسة، نفوسهم خبيثة، ولا تخاف جانبهم أبداً؛ لأن الله قد حكى بأنهم أعداء، أعداء له، ولا يكون أعداؤه هناك وهو ساكت عنهم! هذه لا تحصل، الله لا يسكت عن أعدائه على الإطلاق، يكون معه أعداء إنما منتظر لا ندري متى سيضربهم، هو دائماً يدبر أشياء كثيرة إنما لا نعرف نحن، كثير من الأشياء التي تكون ضراً عليهم ونراها وكأنها نعمة وخير وأشياء من هذه بالنسبة لهم.

فيقول هنا لا تخف جانبهم، ونحن بحاجة إلى هذا أما رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) فهو لا يخاف جانبهم، هم {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ألم يعرض هنا رؤية صحيحة؟ فعلاً أنه ظهرت هذه حتى أصبح البعض يقدم رؤية الغرب، ورؤية اليهود والنصارى مقابل ما شرعه الله من إقامة حدود وقصاص بأنها رؤية إيجابية ورؤية صحيحة ورؤية منسجمة مع حقوق إنسان وأشياء من هذه. أي ينظرون إليهم عندما يقدمون قوانين وكأنهم ساهرين على مصلحة البشر، عندما ينظِّرون، ويقدمون رؤى وكأنهم أصحاب نفوس طاهرة. أليسوا هكذا ينظرون إليهم؟ إضافة إلى خوف منهم، هنا نسفها هؤلاء لا نفوس طاهرة، لا يهتمون بمصلحة البشر، ولا تخف جانبهم فالله قد قضى بأن يكون لهم خزي في الدنيا، وفي الآخرة عذاب عظيم.

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} فهل هؤلاء ممكن أن يقيموا حدود الله، أو يحرصوا على أن تقام عقوبات للمفسدين؟ هم أنفسهم {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} للحرام. إذاً بين لك واقعهم أنهم عندما يحاربون إقامة مثل هذه الحدود إنما لأجل أن لا تقام على أمثالهم، وعلى أوليائهم وأصدقائهم لماذا؟ لأنهم أكالون للسحت، والسحت مختلف، السحت قليل أو كثير، {أَكَّالُونَ} هم لا يأكلون أحياناً فقط، بل طريقتهم يبحثون عن السحت ويأكلونه، أي: لا يراعون أي شيء، يقولون: [الحلال ما حل في الجيب] حرام، حلال، كيفما كان.

{فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(المائدة من الآية: 42) قضية متروكة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فيما بينهم؛ لأنه من زمان عرفت القضية هذه عند بني إسرائيل، في موضوع الحدود، خففوها، وعملوا لها أشياء أخرى، من زمان؛ لأنهم عارفون أنفسهم مفسدين، وأكالين للسحت، يحاولون في كثير من الحدود بأنها تلغى وتخفف، أو تقدم أشياء أخرى بديلاً عنها.

عندما يحصل من بعضهم على بعض جريمة مثلاً، هنا سيتبين إيجابية الحكم الإسلامي هنا، والحكم في أصل كتبهم التي أنزلها الله، فقد يرى بأنه أن لا يجري فيما بينهم هناك عندما قال: {فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} لأنه لاحظ الآن الأشخاص الذين يحاولون مثلاً يروجون بأنه – كمثل بعض المثقفين – أن لا يكون هناك حدود وأشياء من هذه، لو أن أحدأً يأتي يأخذ سيارته ماذا سيقول؟ ليس فقط تقطع يده، سيقول: لا، هذا يستحق أن يحرق، وليس فقط أن تقطع يده، أو ينفى من الأرض، أليس هو هنا يحس بالألم؟ تقول له: لا، لا، هذه عقوبة متنافية مع حقوق الإنسان، أو مع الحضارة وأشياء من هذه، لا يقبل منك هذه، وقد كان يقولها؛ لأنه أحس هو بالألم.

{فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}(المائدة:41 – 43) مع أن هذا قد لا يحصل، أو من الغريب، وهو غريب باعتبار أنه في التوراة حكم الله فعلاً فيما يتعلق بنفوس وأموال سيأتي بعد حول القصاص أيضاً: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}(المائدة: من الآية45) إلى آخره، لكن عندما تكون القضايا قد بدلت، ثم يصيح الطرف المعتدى عليه، وهو يعرف الإسلام في حدوده، في أحكامه، يحاول في الطرف الآخر، مع أنه قد يكون هذا من قبل ليس حول أحكام الله، ولا حول أن يلتزم بما في كتاب الله إذا ما زال موجوداً، إذا لم يكونوا قد ضيعوا ما في كتاب الله، التوراة عندهم بأنها ماذا؟ أحكام قائمة، بمعنى أنهم قد لا يحكمونك؛ لأنهم هم رافضون لحكم التوراة التي نزلت على نبي منهم، وعليهم، موجهة إليهم. فهل سيكون لديهم رغبة أن يأتوا يبحثون عن حكم القرآن؟ لكن قد يحصل فعلاً عندما يكون طرف منهم، مثل هذا يأتي عليهم جريمة معينة، وعقوبتها بشكل لا يعد يشفي غليله، لا يعتبرها بأنها فعلاً كفاية، يحاول أن يرجع إلى حكم الإسلام من أجل إيقاع الحد على هذا الذي ظلمه؛ ولهذا تلاحظ فعلاً بأنهم يرجعون إلى حكم الله، يبحثون عنه، ألم يرجع صدام إلى حكم الله، رجع إلى إعلان جهاد؟ هم يرجعون في الأخير.

{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ} وفعلاً على ما قلنا سابقاً لو يأت شخص مثلاً يحاول كمثقف يحمل ثقافة الغرب، ويقدم منطقاً كهذا حول عقوبة الإعدام، وإقامة حدود وأشياء من هذه، وتقع عليه قضية في قريبه، أو قضية في ماله لبحث عن ما هو الحكم؟ يقطعونه من النصف وليس أن يقطعوا يده فقط. الآن ألست تراهم يحاولون عندما تأتي أمريكا تدخل، ويحس بخطورة فعلاً تريد أمريكا تنفيه من الأرض، سيرجع في ذلك الوقت إلى آيات الجهاد، ويبحث إذا هناك [مكبرين] ويبحث إذا هناك أحد يتكلم على أمريكا، وجهاد، والله أكبر يعملها في العلم، وأشياء من هذه. {وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} ليسوا بمؤمنين حتى ولو رجعوا، يعني: لو رجعوا عند حادثة معينة، في قضية معينة فهو رجوع من هذا النوع. هذه قالوا وقعت كمثال فيما يتعلق بالمرأة من خلال واحد كان يروج فيما يتعلق بحرية المرأة، وخروج المرأة، وعدم الحجاب للمرأة فقالوا أن شخصاً ذهب ودعا زوجة هذا الذي يروج لتخرج معه يتفسحوا، فغضب هذا الرجل، فقال: لماذا تغضب؟ ألست تقول هكذا، حرية المرأة، وخروج المرأة، وعدم الحجاب للمرأة، وهذه حقوق المرأة، وما هناك مانع؟!.

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}(المائدة من الآية: 44) وهذه هي سنة الله سبحانه وتعالى، أن كتبه تكون هدى ونور، وفيها تتناول التشريع، ما يتعلق بحياة الناس، والتعامل فيما بينهم، عقوبات على الجرائم، تتناول مختلف شؤون الحياة بما في ذلك الدفاع عن قيمهم. وأنها تأتي على هذا النحو؛ ليقوم حكم الله عليها، ويقيم حكم الله بها كل الفئات النبيون والربانيون والأحبار.

{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ} ولن يحكم بحكم الله، ولا يهتدي بهدي الله إلا المسلمين لله كالنبيين {الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء} أي هي مسؤولية منوطة بهم، يعني: هم محملون بها، أن يحكموا بحكم الله. {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}(المائدة من الآية: 44). عندما تكون مرفقة بتوجيهات على هذا النحو، وأمروا بأن يحكموا بها، وأن لا يخشوا الناس، وأن يخشوه، وأن لا يشتروا بآياته ثمناً قليلاً، وأن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، أي: هذه قضية في موضوع التوراة، وسيأتي في موضوع الإنجيل بما يشابهها.

وهذه كما أوردها الإمام زيد في رسالته إلى العلماء يقول: أن العلماء لا مبرر لهم على الإطلاق، ولا عذر لهم عن أن يبينوا للناس كتاب الله، ويتحركوا على هذا النحو لإقامة دين الله، هذا معنى كلامه؛ لأن الله قال هنا: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} أنه لا يجوز أن يقعدهم لا رغبة ولا رهبة من أي طرف آخر {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} أليس هذا خوفاً؟ {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} هذا استبدال يعني ماذا؟رغبة، يحصل على أشياء. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} لاحظ هذا فيما يتعلق بإقامة القسط والله قال سابقاً: {كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ}(المائدة من الآية:8) وفي آية سابقة قبلها {قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ}(النساء من الآية: 135) فإقامة القسط على هذا النحو، إقامة بكل ما تعنيه الكلمة، حكم بالشيء، إقامته، وليس مجرد فتاوى. هنا يقول: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أن يحكم بغير ما أنزل الله، وأن القضية هنا أن الله ما أنزله هو لأن يحكم به، والحكم به يعني: ماذا؟ فاعليته، وإقامته. هو فعلاً نفس منطق الآية، يشهد ما حكاه الله عن بني إسرائيل، وتشمل أيضاً – كما قال الإمام زيد في معنى كلامه لا أذكره بالتحديد – أن الله قدم بني إسرائيل كنموذج تأخذ الأمة هذه دروساً منها، مما حصل لبني إسرائيل.

{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(المائدة: 45) فهم عندما يتجهون لمحاولة إلغاء الحدود، القصاص، معناه: هم في نفس الوقت يحاربون ما هو في كتبهم، وما أنزل الله عليهم، وأمرهم أن يحكموا به.

{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}(المائدة: 46-47) أعني: كأن معنى الآية: أنه قفينا، وعملنا هكذا.. وقلنا: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ} يعني: هذه سنة إلهية، وأنه عندما يأتي بهدى، يأتي بتشريع، يكون مرفقاً؛ لأنه ليست سنته عبارة عن فتاوى، يرفق بالتأكيد على الحكم به، على إقامته، على الالتزام به، على الجهاد في سبيله.

{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}(المائدة من الآية: 48) أي: وأنت عندما تقيم حكم الله ليست قضية جديدة، الله هكذا سنة في دينه، أنه يجعل للأمم، ولكل أمة شِرعة ومنهاجاً في إطار دينه، في إطار حركة دينه، الدين الواحد؛ ولهذا يقرر من البداية أنه قال لهم في موضوع القصاص: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أليست هذه واحدة؟ موضوع هذه الأشياء الثانية القصاص سواءً النفس بالنفس والعين بالعين.. إلى آخره، التأكيد بأن يقيموا حكم الله، أنه هكذا سنة الله، يعني: ما أنت ستأتي بشيء يبدو وكأنه جديد، أن تكون هناك شِرعة تمت على يدك يقال لك أن تحكم بها، وأن تقيمها، الله قد جعل في مسيرة الدين لكل الأمم شرعة ومنهاجاً، يعني ليست الآية هنا تعني: تقسيم أشياء، أو تقول: تقسيم ديانات ثلاث، وهناك يقول: {فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ} هل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يرجع إلى التوراة، أو إلى الإنجيل، لم يعرف عنه على الإطلاق أنه ربما اطلع عليها، أو لمسها، أو دخل بيتاً من بيوتهم – مثلما يسمونها – بيوت، مدارسهم، أو أشياء من هذه. أمامه القرآن، القرآن مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، فما هو صحيح هو هنا، فأن يحكم به يعني: أنت تقيم شِرعة ومنهاجاً هي ليست جديدة، ليست غريبة، حتى عندما يأتي أحد من بني إسرائيل ومعهم أشياء أخرى كما هو الواقع، تبديل لأحكام الله، أو يستنكرونه، لا قبول لاستنكارهم، هم يعرفون بأنه في كل مسيرة الدين لكل الأمم شرعة ومنهاجاً، وأن هذه هي القضية التي هي ماذا؟ قابل باعتبار العصور أن يكون فيها أحكام ليست في الأمة السابقة.

أن يأتي مثلاً في رسالة عيسى ما هو أحكام جديدة بالنسبة لما كان في رسالة موسى، أن يأتي في رسالة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) أحكام جديدة بالنسبة لما كان في رسالة عيسى، هكذا في هذا الجانب؛ لأنه دين واحد، مسيرة واحدة، ولا يمكن أن نفهم القضية هذه إلا على أساس فهمنا للدين بشكل عام، لا تفهم الدين يعني: الفقه، لا تفهم الدين وكأنه الفقه، ورؤية فقهية، هذه التي أمام الناس، ويسمونها دينا، ويسمونها شرع الله، وحكم الله، ودين الله، وهدى الله، في تلك، هذه تعتبر شرعة في إطار حركة الدين الإلهي، إذا أنت تراها في الكتاب العظيم هنا فيما يتناولها بصورة معلنة، وبصورة صريحة، قد يكون – كما يقولون – خمسمائة آية، من أكثر من ستة آلاف آية، أليست هنا شرعة؟ أشبه شيء بشرعة النهر، أليست الشرعة جانب من النهر مفتوح يغترفون منها؟ جانب معين مفتوح للأمم حتى ما يزال بالنسبة للمسلمين، وفي حركة الحياة يأتي التشريع بشكل يراعي اعتبارات متعددة، يراعي أزمنة متعددة، ليس على أساس تأقلم معها، في كيف إنزاله عليها، هذه هي شرعة، هذه الشرعة التي هي ماذا؟ شرعة ومنهاج حياة، في التعامل، في الآداب، في أشياء من هذه قائمة بين الناس، الله جعل لكل منكم شرعة ومنهاجاً، ولو أراد الله لجعل الناس أمة واحدة، على طريقة واحدة في مسيرة حياتهم، في المجال التشريعي، يكون ما حرم على إبراهيم إلى الآن حرام، وحلال من ذلك اليوم إلى آخر أيام الدنيا، على نمط واحد.

هو يستطيع أن يجعل هذه بمعنى: أن تكون القضية على هذا النحو {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} ألم يقل هكذا بعد؟ {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} لأن الله هو الذي يعلم بمصالح عباده، هو الذي يعلم بالحياة، يعلم بهذا الزمن، فيجعل تشريعه بالشكل الذي فعلاً يكون قابلاً لإقامة القسط في مختلف تعامل الناس، وفي آدابهم على طول الحياة، دون أن يكون معناه أنه فرضية من جانب الإنسان، ليست فرضية من جانب الإنسان نفسه، هذه رحمة من جهة الله أن يجعله على هذا النحو، وبالشكل الذي تكون طريقة واحدة، لا يحصل فيها اختلاف، طريقة واحدة.

لاحظ الشرعة السابقة في أيام عيسى، هي شرعة إلى أن يأتي محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) يجب أن تسير الحياة على الشرعة التي فتحت في مسيرة الدين أثناء رسالة محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى آخر أيام الحياة، أي: لا تكترث بهم عندما ينقدون موضوعاً، مثلما هو حاصل الآن، أليسوا الآن هم الذين ينقدوننا دائماً في موضوع الحدود، في موضوع كثير من التشريعات، من المواريث، إلى الحدود، إلى القصاص، إلى أشياء كثيرة ينقدونها. يقال لهم: الله قد جعل لكم شرعة ومنهاجاً لكم قبلنا في أيام عيسى، وشرعة ومنهاجاً في أيام من قبله من الأنبياء، وشرعة ومنهاجاً في أيام موسى، في مسيرة الدين الإلهي، يعني: هل هذه هي قضية غريبة؟ ليست قضية غريبة؛ ولهذا برهن هنا، ألم يأت يذكر ما جعل من شرعة في داخل هذا الدين، في رسالة موسى، ورسالة عيسى، يذكر عن التوراة، ويذكر عن الإنجيل يعني: هذه توحي بأنهم فعلاً هم من يعارضون، وهم من يذوبون الأحكام، ويلعبون بالأحكام، ويهاجمون بالتشنيع لأحكام أخرى.

إذاً من الأشياء الهامة أن نفهم – كما ذكرنا في الآية السابقة – أنهم عندما يكونون على هذا النحو إنما هو تلاعب من جهتهم، ناس خبثاء، هم يخرجون من زمان عن الشرعة التي جعلها الله لهم، وفي نفس الوقت هم يعرفون، وليس المعنى أنها قضية غريبة في ديننا يقولون لماذا في دينكم كذا؟ في دين الله في شريعة الله في رسالاته، عند الرسل: موسى وعيسى وكل رسله، يعني: هذه تعتبر منهجاً في الرد عليهم، في الحوار معهم، حوار أو رد أو كيفما كان الموضوع، بأنه يجب أن تقررهم؛ ليتبين في الأخير أنهم هم الشاذون في مسيرة الدين، هم وليس نحن، وليس ما في شرعتنا نحن، أنهم هم الشاذون، هل هو جديد أن يكون هناك شرعة ومنهاجاً في هذه الرسالة؟ ليس جديداً، يقال لهم: ليس جديداً أنتم حصل لكم هكذا فلماذا تستنكرون؟. هذا الموضوع جاء نظيره في أشياء أخرى: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ}(الأحقاف من الآية:9) فهذه الشرعة ليست بدعة من ماذا؟ من شِرَع الله في مسيرة الحياة، ومسيرة دينه الواحد.

{وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}(المائدة من الآية: 48) في مسيرة البشر طريقة واحدة، لكن هو يعلم فهو رحيم، هو يعلم بمسيرة الحياة قد يكون مثلاً شرع سابقاً أشياء – وكما قال سابقاً – فيها ماذا؟ نوع من العقوبات، أشياء كثيرة فيأتي دينه فيه شرع على هذا النحو، شرع لكل زمان، لكل رسالة أشياء معينة، ألم يقل نبي الله عيسى: {وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}(آل عمران من الآية: 50) يخاطب بني إسرائيل، هذه جانب، الشرعة، تفهم حركة الدين، هذه شرعة من النهر، من البحر الإلهي، الدين، لا تفهم الدين موضوع شرعة، شرعة اعتبرها فتحة في دين الله، مثلما ترى خمسمائة آية من ستة آلاف وزيادة من الآيات، ألست هنا تراها فتحة فيما يتعلق بالتشريع، تكون آداب وتعامل فيما بين الناس.

{وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم} فيتبين بلاؤه لديكم، مثلما قال في بني إسرائيل، ألم يقل: {وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ}(البقرة من الآية: 50) ثم قال بعد: {وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}(البقرة من الآية: 49) ليس الابتلاء يعني مصائب، مصيبة، مصيبة.. إلى آخره، أن يكون أحياناً بمعنى نعمة، يبلوكم بها، بمعنى يتبين عملكم فيها، ويتبين تعاملكم معها، فهي نعمة، وفي نفس الوقت محط ابتلاء لكم يتبين من هو الذي يعطي قيمة لهدى الله، ويسير على نهجه، ويتمسك، ومن الذي يعتبر شاذاً في هذه الحياة، ومن هو المؤمن، ومن هو الفاسد، ومن هو المصلح إلى آخره. إذاً فهذه هي تعطينا منهجاً في مواجهة الحملة الدعائية من بني إسرائيل ضد كثير من التشريعات في هذا الدين، نفس هذا الموضوع.

{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ}(المائدة من الآية: 49) هم ليس لديهم إلا أهواء، ما بين أيديهم كتابات هي مليئة بالأهواء، أو مقترحات يكون عندهم عندما يقولون في شريعتنا كذا.. كذا.. لا يعتمد عليهم، لا يُعتمد على كتابات بين أيديهم، ولا يعتمد عليهم عندما يقولون؛ لأنه قد أصبحت الأشياء، قد طغى عليها موضوع الهوى والتلاعب والتحريف والتضليل.

{وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ}(المائدة من الآية: 49) يقولون لماذا؟ كيف هذا؟ في شريعتنا كذا.. كذا.. أو يحاولون أن يقدموا له كتاباً معيناً يقولون هذا. لا تركن عليها هذه كلها قد صارت محط أهواء وتلاعب. {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} أليسوا الآن يفتنون الأمة عن كثير مما أنزل الله إليها {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}(المائدة من الآية: 49) تولوا، لا تكترث بهم، لا تبال بهم فتقعد عن أن تحكم بحكم الله، وبما أنزل الله إليك، اعرف أن من يتولون هم سقطوا في مستنقع، وأصبحوا ضعافاً، محطاً لعقوبة إلهية عليهم. هذا الأسلوب تراه هاماً جداً في القرآن، هذا الموضوع، ترى غيابه في الذهنية كارثة، مثل للأمة كارثة الآن، أن تفهم كيف يصنف لك العدو على أساس لا تكترث به، لا تكترث به دائماً، دائماً، أمام مختلف القضايا، ودائماً يقدم في الصورة بنوا إسرائيل بشكل واسع، قدمهم أمامنا في كل مجال، أمام الجهاد، أمام مختلف توجيهات الله، أمام تشريعات الله، أمام كل شيء، حتى أمام تحويل القبلة، ألم يقدمهم في كل شيء؟.

{فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}(المائدة: من الآية44) هناك في موضوع القبلة؛ لأن هذه القضية هامة جداً، لا يجعلك تتراجع عن أن تقيم حكم الله إلا إذا أنت تكترث بالعدو، أليس هذا الذي هو حاصل الآن عند العرب؟ فلهذا كان هذا الموضوع هنا هاماً جداً، التركيز عليه، كلما يذكرهم، أو يذكر آخرين، منافقين، أو كافرين، يبين لك كيف هم، أنهم سيضربون، وهم في أضعف وضعية هم، لا تكترث بهم؛ لأنك إذا اكترثت ستتأقلم معهم، وتحاول أن تغير حكم الله، وأشياء من هذه مثلما هو حاصل الآن عند العرب.

{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ}(المائدة من الآية: 49) هنا قد تقول: [لكن هم كثير وسنحتاج نبحث كيف، ونحن لسنا إلا قليل..] هم هكذا، كثير من الناس فاسقون. ثم يتناول بالتبكيت لهم والسخرية منهم: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}(المائدة من الآية: 50) ما أنزلناه إليك هو حكم الله، ألم يقل هناك: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ}(المائدة من الآية: 49) لم يعد هناك ما يقابل ما أنزل الله إلا ماذا؟ حكم الجاهلية، جاهلية، سواء جاهلية من داخل جاهلية شرك، أو جاهلية يهوده ونصرنه، هم حولوا الدين إلى جاهلية فعلاً. {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(المائدة: 50) لأن الله هو ملك الناس، وهو الذي يعلم بالإنسان، ويعلم بهذه الحياة فحكمه هو الحكم الذي هو أحسن حكم.

عندما يرجع واحد إلى الآيات السابقة ألم تتناول مواضيع متعددة؟ وداخلها يبرز بني إسرائيل وهم يريدون أن يلعبوا في كل موضوع، تناول مواضيع متعددة، موضوع جهاد، إقامة القسط بكل ما تعنيه القضية بما فيها القضايا التشريعية هذه إلى عند الحدود، وتراهم فعلاً في كل مجال هم يحاولون أن يصدوا عن سبيل الله فيه، {تَبْغُونَهَا عِوَجاً}(آل عمران: من الآية99) في كل نقطة إلى عند والسارق والسارقة، قد صار سارقاً ومع هذا يبرزون مدافعين عنه، قاتل مجرم يبرزون مدافعين عنه! أليس هذا الذي حصل؟.

يأتي بعد تحذير للناس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء}(المائدة من الآية: 51) لاحظ ما أفضع الناس عندما يتجهون ليتخذوهم أولياء بعد هذه الصورة السوداء التي قدمت لهم، والتي لا تختص بمجال دون مجال، بل في كل شيء، يلعبون في كل شيء، وأينما كانت سبيل الله يبغونها عوجاً، أينما هو صلاح في الأرض يبغونه فساداً، وبعد أن بين أيضاً بأنهم تحت مراقبته، وغضبه وسخطه، لا تكترث بهم، سواءً كانوا قليلاً أو كثيراً، سواءً كانوا أقوياءً أو ضعافاً، لا تكترث بهم، هم في مرحلة ضعف، هم في وضعية ضعف.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(المائدة من الآية: 51) فيجب أن تكونوا بعيدين عنهم؛ لأنك عندما تنظر إلى الصورة القاتمة عن اليهود، وتنظر إلى الصورة القاتمة عن النصارى تجد أنه إنما ينبغي لمثلهم هم أن يتولوا بعضهم بعض لماذا؟ لأنهم تشابهت قلوبهم، أعمالهم، أهدافهم، نواياهم، نفوسهم، في معظم ما هو بينهم مشترك وإن كانوا متعادين؛ لهذا تجدهم أليسوا الآن ينسقون مع بعضهم بعض ويتحركون؟ إسرائيل مع أمريكا ومع دول أوروبا. يجب أن تكونوا أنتم المؤمنون بعضكم أولياء بعض، واليهود هم هكذا لا ينبغي أن تتولوهم، إنما يتولاهم من هو مثلهم إما يهود يهوداً، أو نصارى نصارى، أو نصارى ليهود، أو كيفما كانوا. {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ثم انظر إليهم في الصورة التي قدمها كيف هي، أليست صورة فضيعة؟ {إن الله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(المائدة من الآية: 51) عندما تراهم في الأخير قدمهم ظالمين لعباد الله، ظالمين للبشرية، ظالمين لأنفسهم وللبشر، من يتولاهم يصبح شريكاً في ظلمهم، يصبح ظالماً مع الظالمين {إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

عندما تتولاهم لأي اعتبارات، لمصلحة معينة، أو خوف، أو كيفما كان، لن تهتدي إلى ما تريد من وراء توليك لهم، هذه القضية هامة، يبدو فعلاً أن الله لا يسمح أن يحصل، أن تتولاهم من أجل مناصب، أو من أجل مال، أو من أجل تأمن، أو أشياء من هذه، لا يتحقق هذا، لا يتحقق، إذا تحقق لك في مرحلة لتتمكن فيها، لتُضْرَب في الوقت الحرج، وفي أشد مرحلة يكون وقع الضربة عليك فيها شديداً، أين أفضل لك أن تضرب وأنت فقير، وقع الضرب عليك في نفسك وأنت فقير معك غرفتين، أو وأنت صاحب ممتلكات، وبنايات فخمة؟ هنا أليست الضربة ستكون أشد على نفسك؟ الله يعتبرها عذاباً – كما قال في آية أخرى – يعني الله سبحانه وتعالى هو حكيم، ولا يمكن لأحد أن يكون ذكياً أمامه على الإطلاق كما نكرر دائماً، عندما يكون عند واحد أنه سيحاول أن يتولاهم من أجل، ومن أجل، ومن أجل، هنا يقطع الطريق، لن يتحقق، ولو تحقق في الصورة إنما ليكون عذاباً لك في الوقت الذي يعتبر اشد نكاية عليك.

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ}(المائدة من الآية: 52) وهذا من الأشياء المؤسفة جداً أنه بعد هذا البيان العظيم، وهذا الكتاب العظيم، وبعد ما أعطى من صورة واضحة، قدم صورة واضحة جداً عن بني إسرائيل ويكون ما يزال هناك ناس يريدون أن يتولوهم!! هم بالطبع ليسوا طبيعيين، أي ليسوا سليمين، لن يتولاهم إلا أناس في قلوبهم مرض، ومعنى في قلوبهم مرض، لم ينطبع هذا الدين، هذا الكتاب، وهذا الهدى، وهذا النور، ما انطبع عليها، لم تمتلئ نوراً، ولا اهتدت، قلوب مريضة، أما قلوب مهتدية فلا يمكن أن تتولاهم على الإطلاق.

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} مع أنهم بالشكل الذي يجب أن تسارع في الابتعاد عنهم، وليس أن تسارع فيهم، أن تسارع في الابتعاد عنهم؛ لأنهم هكذا قدمهم بشكل فضيع جداً في نفوسهم، أهدافهم، تفكيرهم، نواياهم، أعمالهم كلها. {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} وكلمة مرض واسعة المعنى، أهم شيء فيها قلوب لم ينطبع فيها هدى الله، ولم تستنر بنور الله، ولم تستبصر ببصائر الله، هي قلوب مريضة، فليكن فيما بعد يظهر إما بشكل نفاق، أو بشكل جبن، أو بشكل بحث عن مصالح، أو بشكل – التي يسمونها – مزايدات حزبية، أو كيفما كانت، المهم أن هناك مرضاً، أما ناس سليمين لا يتولونهم على الإطلاق، يبتعدون عنهم. إذاً فمعناه مريض يتولى مرضى، ألم يقدمهم مرضى، هم، بنوا إسرائيل؟.

{يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} يسارع فيهم، مثلما تقول: في الله، أشبه شيء مثلما تقول: يعمل في الله، أو يحب في الله، يسارع فيهم، يحاول في الشيء الذي فيه ماذا؟ فيه استرضاءً لهم، أو الشيء الذي ربما يظهر لهم منه فيعتبرون أنه قدم خدمة لهم فيأمن شرهم، أو كيفما كان، المهم مسارعة إليهم بالشكل الذي يريدون، أنت عندما يقال لك: أنت تحب في الله أي: أنت تحب إنساناً الحب الذي يريد الله منك أن يكون قائماً بينك وبينه، فهم مسارعون بالشكل الذي يريد بنوا إسرائيل، يسارعون فيهم أي يسارعوا إليهم بالشكل الذي يريدونه هم، وإذا لم يكن عنده معرفة أنهم يريدون فالقلوب المريضة هي تتشابه، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}(البقرة: من الآية118) ألم يقل هكذا؟ ثم ولا تدري في الأخير وإذا أنت أهدافك أهداف السفير الأمريكي تماماً ولست تدري إذا لم ينتبه واحد!.

لأن هذا الهدى هو قدم بالشكل الذي يجعل قلوب الناس مستنيرة وسليمة، القلوب المستنيرة المهتدية السليمة المستبصرة لا يمكن على الإطلاق أن تكون متشابهة مع القلوب المريضة، لكن القلوب المريضة يمكن تتشابه مع بعض، {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} ذلك من هناك يحاول أن يسكت الناس بأي طريقة حتى لا يرفعوا شعاراً في المسجد، وذلك الذي داخل المسجد، وإذا هو مثله محاول أنهم يسكتون ويتوقفون! ألم يبرز في الشاشة وإذا هم تشابهت قلوبهم؟ ذلك مريض من النوعية التي قال: {بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا}(النساء من الآية: 155) ونفوس خبيثة { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ}(المائدة من الآية: 41) وأنت لأن قلبك مريض يعني: من يكون على هذا النحو قلبه مريض، أصبح عملك عمله ومشابهاً له، وبالطبع لا يتحرك هؤلاء الذين يعارضون إلا وقدهم عارفين أن أمريكا شغالة؛ ولهذا يكون خائفاً، معظمهم، لو نقول – مثلاً -: [الموت لهولندا] هل أحد سيصيح في المسجد؟ لا، لن يعارضنا أحد، لو تقول: [الموت للعرب] أو تلعن العرب، هل سيعارضك أحد من هذه النوعية؟.

إذاً فيها خوف، إما خوف، أو رغبة، المهم مرض، وهو يعرف في نفس الوقت أنك تقول: أمريكا، وهو يعرف أن أمريكا هي تتحرك وأن أمريكا أصبحت مهيمنة، وأن أمريكا بالشكل الذي يخاف منها، أو يرغب إليها، كيفما كان الأمر، قل: [الموت للسويد] لن يستثار، ولن يقول لماذا؟ ولن يرفع بك بلاغاً إلى أي جهة نهائياً، ولن يبادر الأمن السياسي إلى إلقاء القبض عليك، تقول: [الموت للعرب] تقول: [الموت لليمن] لن يغضب أحد عليك. إذاً فهذا معناه ماذا؟ أنه فعلاًً مرض، هناك مرض، المرض نحن نقول فيه، على أساس نحاول أنه مثلما قالوا نتأول مهما أمكن للموضوع إلا أنه بالطبع مرض واسع جداً المرض، فليكن جهلاً بدين الله، جهلاً بأعداء الله، جهلاً بما ينبغي أن يكون عليه باعتباره مسلم، وهذا مرض، أليس مرضاً؟ لكن نحن نعتبر لا بأس إذا تأولنا لك مرضك بالمرض الذي يذهب واحد يتعالج منه وممكن يشفى، فقد يكون جهلاً، وقد يكون غير فاهم، وقد يكون..، وقد يكون..، وإلا فقد هو فاهم أن أمريكا موجودة، وأن هذا الشيء يغضب أمريكا.

{فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} لم يقل مثلاً: المواطنين الذين في قلوبهم مرض، أو الحكام الذين في قلوبهم مرض؛ لأن مرض القلوب يمكن أن يكون من عند أكبر مسؤول إلى أصغر مواطن. {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} ليكون في الأخير ممن يرتد عن دينه والمفروض أن يسارع ليكون ممن قال الله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}(المائدة من الآية: 54) نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم.

هذا من الخسارة الرهيبة للطرف الآخر أن يكونوا فريقاً آراؤهم ورؤاهم التي تجعلهم يتقهقرون ويرتدون على أعقابهم فينقلبوا خاسرين. خسارة أن لا يكون الإنسان من النوعية هذه فعلاً، أن لا يكون من هذه النوعية، نوعية من وعد الله بأنه سيأتي بهم {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فمعنى هذا بأنه عندما ترى لبني إسرائيل حركة على هذا النحو، أنه يجب أن تسارع إلى أن يجعلك الله من هذه النوعية التي وعد بأنه سيأتي بها، لا أن تسارع فيهم، نخشى أن تصيبنا دائرة، [ويمكن، ويمكن، وأحسن لواحد كذا.. ولا..] لا؛ لأن هذه خسارة، والواجب هو أن تسارع إلى الله عسى أن يكتبك واحداً من هؤلاء الذين وعد بأنه سيأتي بهم.

ولأن لا يصاب الناس مهما كانوا قليلاً، أو مهما كانوا يرون العدو كبيراً، ويرون التراجع الكبير، لا يصابون بإحباط. عندما ترى العرب تقهقروا، ترى المسلمين تراجعوا، ترى قممهم تعلن تراجعهم، أليس القمم العربية، والقمم الإسلامية كلها يبدو منها التقهقر والرجوع؟ ليس فيها منطق جهاد، ليس فيها منطق مواجهة في أي ميدان من الميادين على الإطلاق، إذاً ما هنا تحقق ارتداد بكل ما تعنيه الكلمة في هذا الإطار، تأتي إلى الشعوب نفسها وإذا الكثير ليسوا حول الموضوع نهائياً، وهم يرون أمريكا، ويسمعون ما تريد أمريكا، وتكتب صحف، ويرون في التلفزيون والإذاعات، وكل شيء، ولا يبالي، ولا يوجد عنده فكرة، والكثير عنده فكرة أنه ماذا؟ يترك ولا يتدخل من أجل أنه يسلم!! نزل لهم أوراق تعلن بأن الأمريكيين يتجهون لتغيير المناهج بما فيها القرآن الكريم، لا يتحرك، أليس هذا من المتراجعين؟ يعني ماذا؟ وقت تحقيق الوعد الإلهي، أليس وقت تحقيقه؟ لأنه قال: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ}(المائدة من الآية: 54) بالفاء التي تعني التعقيب مباشرة بدون مهلة، فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، وإن كان المرتدون ملايين أو عشرات الملايين.

هذه الآية أيضاً تعطي الناس منهجاً في كيف يجب أن يكون تثقيفهم لأنفسهم، وكيف يجب أن نوجه الآخرين، وكيف كان يجب أن توجه وسائل الإعلام لو ما يزال هناك توفيق، أنك تربي الناس، توجه الناس كيف يكونون محبين لله هذه واحدة؛ ليحبهم، أليست هذه قضية أساسية، ونقطة هامة جداً؟ لأنه هنا ذكر نوعية ينطلقون في مواجهة بني إسرائيل بديلاً عن أولئك المرتدين من داخل المسلمين، من منطلقات أساسية، لا تتأثر بالمصلحة على الإطلاق، لا تتأثر بالإغراءات، لا تتأثر بالتخويف، لا تتأثر بالدعايات، لا تتأثر باللوم، ينطلقون من منطلق حب لله، لا يبحث عن فتاوى [هل قد هذا يلزم أو ما يلزم] حب لله، سواءً هو لازم أو لا، المهم أنه شيء يعتبر عملاً صالحاً، ويحبه الله، ومن يحب الله هو يسارع إلى العمل الصالح، وإن لم يكن قد وجب، أما هذا فربما قد وجب ربما مئات المرات وليس أن تقول: هل قد وجب أو لم يجب.

النوعية هذه الذين ينطلقون من منطلق حب لله لا يتأثر بمصالح أمريكية أو إسرائيلية أو كيفما كانت، في بلاده، عند بيته، له شخصياً، لا يتأثر؛ لأن موقفه منهم موقف ثابت وليس موقفاً شخصياً، وسيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع، سيعرف أنما يقدمونه إنما هو خداع وتضليل؛ ليحبهم بدلاً من أن يحب الله، ولن يحبوه، أما الله فإنك ستحبه، وهو يحب في المقدمة هو، أما بنوا إسرائيل قدمهم بشكل آخر: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ}(آل عمران من الآية: 119).

إذاً فهذه نوعية راقية جداً، وأنها قضية منهجية فعلاً، كيف يمكن للناس أن يحبوا الله؟ لمعرفته وفق ما يقدم القرآن وليس وفق ما تقدمه كتب علم الكلام على الإطلاق، هذه قضية، قد تكره الله فعلاً، إذا اعتمدت على تلك الكتب؛ ولهذا يقولون: أن الكثير فيهم يكونون قساة قلوب، ويتأقلم كثير منهم مع أي سلطة تحكم، وينتظرون للهبات منها، والجوائز والعطايا! هذه قضية أساسية، ولهذا نقول من البداية أن هذا القرآن يدل على أنه من عند الله يشهد هو، في هذا العصر أليس الأمريكيون يحاولون أن يقدموا خدمات، ويحاولون مثلاً يضللون بأنهم يريدون مصلحة الناس من أجل يحبهم الناس، ومن أجل يقبلون احتلالهم، ونهب ثرواتهم، أليست هذه قضية معروفة؟ اعتمادهم على تقديم خدمات هي مزيفة في الواقع.

إذاً الإنسان الذي ينطلق من منطلقات شخصية، عداوة شخصية، أو حتى وطنية، أو قومية، ليس مضموناً أن يثبت في مواجهة مصالحهم، ووجدنا في المرحلة هذه من كانوا يتشدقون بالقومية أليسوا هم من أصبح الكثير منهم من سقطوا في أحضان أمريكا؟ فعلاً، عندما تأتي إغراءات كثيرة، لأنه ماذا؟ قد تكون دول عندها إغراءات كثيرة لكن المؤمن هنا سيعرف بأنها قيمة الله، وقيمة نفسه، وقيمة دينه، وقيمة الجنة، أليس هو سيعرف هذا؟ ليس مستعداً على الإطلاق مهما قدموا من إغراءات. الحب لله يشكل ضمانة ضرورية، يعني: كـأنه يكشف بأنه فعلاً في مرحلة كهذه يحتاج الناس في مواجهة بني إسرائيل إلى أن يكونوا محبين لله، وإلا فقـد يستفتي، قال لك: [ما يلزم] تقول: نريد كذا.. قال: [بل اترك الأمريكي يقدم لنا مصلحة]، وجلس، ألم يجلس؟ بقي ماذا؟ لا يتحرك إلا من ينطلق من الحب لله؛ لأنه ليس وراء [يلزم أو ما يلزم أو هذا قد وجب يا سيدي فلان أو ما وجب] وليس وراء: [إنهم يريدون أن يقدموا لنا مصلحة] بل أصبحوا إلى درجة أن يقول آخرون لنا، الذين يأكلون مصالحنا، الذين هم من داخل بلادنا، يقول: [من أجل مصلحة] والمصلحة ستأتي له هو، أي: قد صارت المسألة إلى أنه يباع الدين، ويباع الوطن من أجل مصلحة آخرين! أما هذا فقد صار يعتبر من أسوأ الأشياء، تعتبر خسارة كبيرة جداً أن تبيع دينك بمصلحة لك شخصية مهما كانت، أما أن تبيع دينك ووطنك من أجل مصلحة آخرين فستكون أشقى الأشقياء.

أيضاً هؤلاء الأعداء لديهم فيما يتعلق بأنواع الصراع، يركزون على أشياء كثيرة يحركونها، تلويم عن طريق مثلاً تثقيف، عن طريق دعاية، عن طريق ترغيب، وعن طريق ترهيب، حتى ينطلق اللوم ضد من يتحركون من كل جهة، من يلومك باعتبار أن عملك مخالف للمصلحة الوطنية، يضر بالمصلحة الوطنية، ومن يلومك باعتبار عملك يقضي على المذهب، ومن يلومك باعتبار عملك لا يجوز في المسجد، ومن يلومك باعتبار أنه خائف عليك، ومن يلومك باعتبار أن عملك يسد عليه مصلحة وقد هو مجهز لنفسه ليبيع في الأخير نفسه وهو يعتبر عملك يحول دون أن ينفق بثمن جيِّد، ومن.. ومن.. كم!.

إذاً معناه لا بد من أمة، من أناس لا يخافون لومة لائم، سواءً عالم، أو زعيم، أو مسؤول، أو أب أو أم، أو كيفما كان، إذا كان وعيه، إيمانه لم يرتق إلى الدرجة هذه قد يأتي لوم وطأطأ برأسه وجلس، يصطرع، يدخل في قائمة المرتدين. هنا لا يوجد مجال على الإطلاق في مرحلة كهذه، وبمنطق الآيات هذه إلا أن تكون واحداً من: إما مرتدين، أو ممن يأتي الله بهم. إذاً عندما لا تكن ممن يأتي الله بهم فأين موقعك؟ معناه موقع الساكتين، موقع الجالسين، أو ربما موقع المعارضين؛ لأنه ذكر عن البديل: يجاهدون، الذين يجاهدون يعتبرون ماذا؟ لأن هذا هو قطب الآية هنا، من يرتد قابل ما يساوي الارتداد بكلمة ماذا؟ يجاهدون، كلمة: يرتد، ليس معناها: ارتداد كفر، كلمة ارتداد، كلمة كفر، أشياء هي واسعة، ليس معنى ارتداد هنا يعني: كفراً، وقد يصلون بالناس فعلاً إلى درجة الكفر، قد يجعلون الناس يكفرون بالدين نهائياً خلي عنك الكفر بأنواعه الكثيرة، كم قد أوقعوا إلى الآن!.

إذاً فكلمة: يرتد، معناه أنه في الواقع تراجعهم عن جهاد هؤلاء يعتبر ارتداداً؛ ولهذا ذكر البديل بعبارة ماذا؟ يجاهدون، لو لم يكن المعنى هكذا لم يقابل يرتد بكلمة يجاهدون؟ سيقول: يسلمون مثلاً، أو يؤمنون لو أن المسألة معناها هناك ارتداد أي: خروج عن الملة، وقد يحصل خروج عن الملة، آيات أخرى تتناوله.

إذاً فأن يكون الإنسان على هذا النحو، وأن يكون توجيه الناس على هذا النحو: حب لله، هذه واحدة من القضايا الأساسية بأنه لا يؤثر فيه لوم لائم؛ لأن ذلك الذي قد يفتيك بأنه ما قد وجب أنت تعرف بأن هذا عمل يحبه الله [عساه لا يجب] هل ستتراجع؟ واحد هناك يريد أن يقدم لك مصلحة، أنت تحب الله لا يمكن أنك تؤثر على الله أي مصلحة، واحد من أقاربك مهما كان عزيزاً عليك، أنت تحب الله أكثر من نفسك خلي عنك أن تحبه أكثر من واحد آخر. أليست هذه قضية هامة؟ تجد أيضاً في نفس أن يكون الله يحب الإنسان استعرض القرآن في موضوع الرحمة تجد أنه أرحم بالإنسان من أي قريب تطيعه؛ لأنك تحبه؛ ولأنه يحبك فتعدل عما يجب أن تكون عليه، تجاهد في سبيل الله ولا تخاف لومة لائم، هذه واحدة من الضمانات، قضية الحب لله، الحب لله تأتي عن طريق المعرفة الواسعة القرآنية.

{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} متواضعين بالنسبة للمؤمنين، وأقوياء بالنسبة للكافرين، من يرتدون هم يكونون بالعكس: أعزة على المؤمنين، أذلة على الكافرين، حقيقة، أمام المؤمن يبادر إليه يكمم فمه حتى لا يقول: [الله أكبر] وبقوة وصرامة! أليست هذه واحدة؟ وأمام الكافر يقول له: هذا عمل إرهابي في بلادك، وهو يعرف أنه كاذب فيقول: نعم، يطأطئ رأسه ويقول: نعم عمل إرهابي! لم يعد يدفع عن بلاده تهمة فضلاً عن أن يدفع عن بلاده حرباً، لا يعد يدفع تهمة هي أساس في الاعتداء على بلاده، أليست هذه قمة الخضوع، الذلة للكافرين، وعزة على مؤمنين، مؤمنين يعرف بأنهم من الناحية السياسية لا يؤثرون عليه على الإطلاق، بل لو سلك طريقتهم لنجي هو، أي سلطة حاكمة لو تسلك هذه الطريقة لكانت ناجية، لكن من يضمن أنه ما يزال هناك توفيق أن يهتدوا بهدى الله، ويسيروا على كتابه. ووجدنا آخرين، ألم نجد آخرين كانوا يتنمرون على من يسمونهم بـ[الشباب] يتنمرون عليهم، وشدة عليهم، وفتاوى، وارتداد، وأشياء من هذه، وإذا بهم في وقت بروز الكافرين يصدر بعضهم بياناً للمرشدين بأنه لا تسبوا أحداً وإن كان كافراً!! أليس هذا ماذا؟ أمام الكافرين ولا كلمة، وهو من كان يكفِّر بعضهم، أو يحكم بارتداد علماء؛ لأنهم ماذا؟ لأنهم مؤيدون لمؤيد للشباب، شدة بشكل رهيب، وإذا هي تلاشت بطريقة غريبة أمام الأمريكيين؛ لأنه قد أصبح يرى أنه ربما قد يصل هذا الموضوع إلى عنده.

يعني: أن هذه القضية معناها: أن الله لا يحدد فئة معينة، يحتاج الإنسان إلى أن يشرح نفسه هو كائناً من كان؛ لأن القضية إما أن تكون ممن يأتي الله بهم، وإما أن تكون ممن يرتد، ومن يرتد سيظهر منه مواقف المرتدين بما فيها الذلة أمام الكافرين، هذه واحدة، أو تكون هذه الفئة التي وعد الله بها، فيظهر بأنك لا تؤثر أي طرف مهما كان، ومهما كان لومه، ولو يصدر بياناً يوقع عليه مائة عالم، لن تتأثر به نهائياً؛ لأنك واعي وفاهم.

{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} إذاً فأين أفضل لك أن تكون ممن يحب من قال عنهم: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ} أليست هذه خسارة أول شيء؟ أما هنا فيقول: {يُحِبُّهُمْ} في المقدمة. {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} لماذا لم يقل: يقاتلون هنا؟ نقول فعلاً: أن الآية تتحدث عن هذا الزمن؛ لأن القرآن هو للناس وللحياة كلها، الجهاد يعبر عن حالة الصراع، وسعة الصراع وميدانه أوسع من كلمة: يقاتلون، أي سيتحرك في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، ويقتضي العمل بإيجابية أن يكون مؤثراً على العدو فيتحرك فيه، بذل الجهد، سواءً في موضوع ثقافي، اقتصادي، عسكري، سياسي، إعلامي، في كل مجال يستطيع أن يتحرك فيه، حرب نفسية، والحرب النفسية من أبرز مظاهر الصراع في هذا الزمن، الحرب النفسية؛ ولهذا يقول: يجاهدون في سبيل الله، يعني: يبذلون جهداً في كل المجالات، وفعلاً ترى بأنه الفئة السابقة: {مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ} في خسارتهم تبرز أشياء هي سهلة جداً وهي جهاد فلا يعد يتوفق أن يصل إليها، شعار يرفعه، أو بضاعة أمريكية وإسرائيلية يقاطعها، لا يعملها، يشتري قمحاً أمريكياً وهناك قمح آخر أمامه! أليست هذه خسارة، يتوقف أن يرفع شعاراً في مسجده، لا يحتاج يخسر من أجله ولا ريالاً واحداً، أليست هذه تعتبر خسارة؟ منتظر أن معنى يجاهدون: يقاتلون [متى ما قاتلوا]!.

هذه من الأشياء الغريبة التي نقول هي أشياء مؤسفة فعلاً بالنسبة للعرب أنه لم نفهم أنواع الصراع من داخل القرآن، والقرآن أعطى فعلاً، نحن قرأنا في قصة معركة أحد كيف التركيز على الجانب النفسي والمعنوي، بمعنى أن الصراع لا يكون أمامك فقط مجرد سيف، هذه واحدة من وسائل الصراع التي يجب أن تكون نصب عينيك، لكن تعرف أن الصراع يتناول مختلف الأشياء النفسية والمعنوية، فالقرآن علمنا من قبل، لكن لا بد من القرآن حتى نعرف كيف الجهاد، ونعرف كيف عادة يحصل الصراع بين البشر، يقول لك: ننتظر حتى يأتي قتال!.

نقول: إن هؤلاء الأعداء هم يركزون على قضايا نستطيع أن نواجهها إذا مشت سيقاتلون، وسيضربون، إذا لم تمش لهم لن يضربوا، ولن يصلوا إلى الناس، كيف تقول: أنك منتظر، منتظر.. في الأخير متى ما حصل ستقول: أنا لا أملك إلا بندق ماذا سيعمل هذا البندق! الشيء المحتمل أن هذا النوع لن يتوفق، أن الكثير قد لا يتوفقون فعلاً، الإنسان الذي هو يعتبر مجاهداً يجب أن يبذل جهده في سبيل الله، ويعرف ماذا ينبغي أن يعمل، يعرف ماذا ينبغي أن يعمل فعلاً، وأعتقد فعلاً رفع الشعار، والمقاطعة الاقتصادية، تعتبر من الجهاد في سبيل الله، ولها أثرها المهم فعلاً، بل قد يكون هذا الجهاد اشد على الأمريكيين مما لو كنا عصابات نتلقى لهم ونقتلهم فعلاً، أنا أعتقد هذا: أن أثره عليهم أشد من هذا، يؤثر عليهم بشكل كبير من الناحية المعنوية والنفسية بالشكل الذي لا يستطيعون أن يواجهوه بأي مقولة من مقولاتهم، على مدى سنتين لم يستطيعوا أن يقولوا: إرهابيين نهائياً، لم يستطيعوا أن يوقفوه بأي طريقة أبداً، ولا استطاعوا أن يلصقوا به شيئاً يعتبر ذريعة، وفي نفس الوقت يعرفون أنه يضربهم ضربات نفسية ومعنوية رهيبة.

هذا هو الجهاد، والإنسان المسلم المؤمن يكون أمام عينه {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(الأنفال من الآية: 60) قد تكون قوة معنوية هي بيدك تؤثر جداً على العدو يجب أن تستخدمها، حرب نفسية، هو يستخدم حرباً نفسية هو، العدو الذي يمتلك أفتك الأسلحة يرى بأنه ليس مستغنياً بل مضطراً إلى أن يسلك الوسائل الأخرى في الحرب، الحرب الثقافية، الإعلامية، الحرب النفسية، أليس هذا شيئاً واضحاً؟ فكيف أصبحنا لم نعد نفهم حتى الصراع ما هو، أصبحنا لم نعد نفهم الجهاد ما هو!. بالتأكيد المجاهدون ليس عندهم فكرة.. – لأن البعض يحاول يقدم تفسيراً لمعنى الجهاد أن الجهاد بالكلمة هو الجهاد وفقط أو آخر يقول: الجهاد بالسيف هو الجهاد فقط! – لا، الجهاد {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(لأنفال: من الآية60) هنا قدم كل قوة بما فيها القوة المعنوية {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.

الجهاد معناه: بذل الجهد في كل المجالات لإقامة دين الله، لم يعد يعتبر الموقف من العدو نفسه إلا موضوعاً من مواضيع إقامة دين الله الذي يبدأ من داخل الناس أنفسهم هم، استقامتهم فيما بينهم، ألم نتحدث عن هذا سابقاً؟ القضايا الأساسية لأمة تتحرك لأن تجاهد أن تقدم نفسها نموذجاً فعلاً في التعامل فيما بينهم، في صدقهم مع بعضهم بعض، في إخائهم، في تآلفهم، في قوتهم، في منطقهم، في حكمتهم. بمعنى: العمل لإقامة دين الله، هذا هو الجهاد في سبيله، يشمل الكلمة، ويشمل القلم، ويشمل أشياء كثيرة جداً، ويشمل السلاح بمختلف أنواعه، فالجهاد هو هذه القائمة الواسعة، تتحرك فيها لا تنظر إلى مجال دون مجال، لا تنظر إلى مجال الكلمة، وتنسى موضوع إعداد القوة، قوة السلاح؛ لأنك ستخسر، كلمتك تتبخر في الأخير، لا تركز فقط على موضوع إعداد السلاح دون أن تعرف القضايا الأخرى التي يجب أن تعدها، القضايا النفسية، والمعنوية، والتربوية، والثقافية.. إلى آخره، هذا هو الجهاد في سبيل الله، لا أن تقول الجهاد كذا، أو الجهاد كذا.

{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ} أليس هنا ألغى موضوع: قومية، وطنية، تربة وطن، حجار وطن، وأشياء من هذه، لن يكون لها فاعلية على الإطلاق، لن يكون لها فاعلية، هم ينطلقون يجاهدون في سبيل الله، من أجل الله، وفي الطريق التي رسمها للمجاهدين، يوجد سبل كثيرة تحمل عنوان: الجهاد، وهي سبل عوجاء، أما كلمة: جهاد في سبيل الله – ويمكن أي واحد يدعيها – هنا يبين لك سبيله، طريقه، هي طريق هو رسمها هو للمجاهدين من أجله أن يسيروا عليها في جهادهم.

مثلما قلنا سابقاً: أنه تجلى من خلال قصة طالوت وجنوده، تلك النوعية التي انطلقت في سبيل الله، هي فعلاً التي تحمي الأوطان والأعراض، أليست هي التي ستحمي الأوطان والأعراض؟ أما من يرفعون عبارات: وطنية، وقومية، أحياناً هم من يبيعون الأوطان والأعراض هم، أو حتى لو كان مخلصاً ستكون القضية قابلة للثغرات، يأتي العدو يدعم جهة معينة، وترفع شعارات قومية متفوقة على شعاراتك، وترى وكأنها تضرب العدو ضربات رهيبة، مثلما عملوا لاحتواء الثورات في القرن الماضي، آخر مثال لها [أرتيريا] تحرك المجاهدون المسلمون مساكين مقاتلين خلال فترة طويلة، رآهم الصهاينة وإذا هم ربما سينجحون، ربما تقوم دولة مسلمة، وعناوين – هم ليسوا فاهمين هذه: أهمية الارتباط بسبيل الله – من أجل الوطن، تحرير الوطن، إخراج المحتل، وأشياء من هذه.. جاء [أفورقي] هو ومجموعته، ومنظمته، وإذا هم وطنيون أكثر منهم، وإذا هم أيضاً لديهم إمكانيات يستطيعون أن يضربوا، وإذا هم فرحوا بهم، فرحوا، نعمة أنه قد صار معنا ناس، وفي الأخير وإذا هو ماذا؟ نوعية ثانية، وإذا المجاهدون المساكين الذين قتل كثير منهم، ودمرت بيوتهم وأموالهم، وإذا بهم قد صاروا معارضة هناك، وإذا أرتيريا صارت بلداً مرتبطاً بإسرائيل!.

لكن في سبيل الله لا يمكن على الإطلاق أن تزيف المسيرة، لا يمكن لأحد أن يزيفها إلا إذا فهمنا أن سبيل الله مجرد عنوان، سبيل الله يعني: من أجله، لا ترفع شعاراً آخر على الإطلاق، سبيل الله، تجاهدون في سبيل الله، وتفهم سبيله وفق الطريقة التي رسمها هو، أين رسمها؟ في القرآن، أليست في القرآن مرسومة؟ هذه هي الطريقة التي لا يمكن أن تخترق، ويخترقها مزيفون، ولو رفعوا عناوين: جهاد في سبيل الله، لا يمكن على الإطلاق، وإلا فالمرحلة خطيرة جداً، مرحلة قد يزيف لك الأمريكيون حركة معينة ويقولون: في سبيل الله، وجهاد في سبيل الله، وقد عملوا هذه في الماضي، ألم يعملوها؟.

لهذا يجب أن يكون هناك وعي تام، وإلا فقد تتحرك وأنت لا تدري، وباسم في سبيل الله عندما ترى منظمة أخرى أكثر فاعلية، وتحمل جهاداً في سبيل الله عنواناً، ثم تبدو في الأخير وإذا هي وهمية تتحرك متى ما أرادت أمريكا، وتجلس متى ما أرادت، في الأخير تراها إنما كانت [فخ] من أجل ماذا؟ من أجل تذوب كل الانفعالات ضد أمريكا في ماذا؟ في بؤرة لا تشكل خطورة عليها نهائياً، ثم في الأخير يظهر وإذا أولئك المجاهدون يتبخرون لا يوجد هناك شيء، ولا ترى بعد إلا أمريكا في وطنك، أو إسرائيل.

هذه القضية هامة، الآية تعطينا منهجاً متكاملاً, متكامل في كيف نكون نحن، وكيف نعمل بعون الله وتوفيقه، يحاول واحد يتعامل مع الله، يدعوه، وفي نفس الوقت كيف يكون توجيهنا للناس، لا نستخدم عبارات: وطن على الإطلاق، ونحن قلنا في هذه سابقاً، عند آية طالوت وجنوده قلنا: إن الله ضرب مثلاً لنا من داخل بني إسرائيل، عندما يقولون الآن: لا نريد عداءً دينياً، نقول: أنتم وجدناكم في مرحلة كنتم مستضعفين، وقد أخرجتم من دياركم، وأبنائكم اتجهتم إلى نبي من أنبيائكم تقولون: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، أليس هكذا؟ فنحن نعمل مثلكم فقط، نرفع نفس الشعار الذي رفعتموه، وقامت بعده أعظم دولة لبني إسرائيل في تاريخهم إلى الآن.

كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة {وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}؟ إذا كان مستبصراً بالقرآن، مستنيراً بنور القرآن، مستبصراً ببصائر القرآن، مهتدياً بهديه، وإلا فسيقعده اللوم في أي مرحلة من المراحل، لوم عالم، أو لوم قريب، أو لوم بعيد، أو لوم سلطة، أو لوم من أي جهة كان. تجد هذه النوعية فعلاً عندما ينظر واحد إلى المرحلة هذه، هذه النوعية الوحيدة التي يمكن أن تقف في وجه بني إسرائيل بفاعلية، ويمكن تهزم فعلاً بني إسرائيل، هذه الفئة؛ لأنه قدم نوعية هي التي يجب أن تتوفر فيها الصفات الضرورية، والتي تجعل كل مؤامراتهم، وشعاراتهم، وعناوينهم، وخداعهم تتبخر عندما تصطدم بهذه النوعية، غيرها سيتبخرون هم أمام بني إسرائيل فعلاً.

وهنا يبين بأن هذه القضية بالشكل الذي تجعل الآخرين يحسون بأنهم في خسارة، المرتدين عن الجهاد، عندما يأتي بعد فيقول: {ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}(المائدة من الآية: 54) هذا فضل من الله الذي تتهرب منه، وتحاول أنك تعمل لك أشياء، وتلفق أشياء حتى لا يلزم، أو تتمسك بأشياء معينة، أو تخاف.. أنت تبعد نفسك عن الفضل، تبعد نفسك عن فضل عظيم، فكأنك تثبت بأنك غير جدير بذلك الفضل، لأن الله قال: {يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}.

تلاحظ هنا أنه تبدو الآية فعلاً توحي بأنه قد تصل الأمة إلى حالة لا يعد يبقى لديها مقومات بناء نوعية كهذه، إنما من جهة الله هو فعلاً، لا في تراثها، ولا في منطقها، وفعلاً هل هذا موجود؟ لو تعود إلى تراثنا، تراثنا نحن الفئة أهل الحق التي نقول دائماً: هم أهل الحق، سيكون هذا التراث بالشكل الذي يقعدك، وما الذي معك عندما تقرأ؟ معك أصول فقه، علم كلام، كتب ترغيب وترهيب، تفسير آخرين، أشياء من هذه تقعدك، ورأيناها أقعدت من؟ أقعدت من حملوها، وأقعدت من اتبعوها، أليست هذه القضية واضحة؟ ما بالك بما لدى الآخرين فعلاً. إن هذه نوعية لا تبنى إلا من جهة الله {ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة من الآية: 54).

إلى هنا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

[الله أكبر / الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود/ النصر للإسلام]

التعليقات مغلقة.