saadahnews

كي لا تكون قمة تونس آخر قِمَم العرب

امين ابو راشد

قد تكون هِمَّة القادة العرب مُتثاقلة عن حضور القِمَم التي تدعو إليها الجامعة العربية، ليس لأن هذه القِمَم تنتهي ببيانات ختامية لا تساوي الحبر الذي يُهدَر على مُفردات الإدانة والإستنكار والشجب، بل لأن مجموعة الدول التي كانت تُسمِّي نفسها “عرب الإعتدال”، تُطبِّق العدالة الإستنسابية المؤتمرَة بها من أسيادها الأميركيين، كما الأدوات الطيِّعة الذليلة، بعقولٍ فارغة وقلوبٍ مُتحجِّرة، ويتساوى لديها تدفُّق دماء أبناء فلسطين والعراق وسوريا واليمن في مسلسلات “صناعة الموت”، كما تدفُّق آبار الصناعة النفطية وإنتاج البترو دولار للإستثمارات الخارجية حمايةً للعروش العائلية، بينما الشعوب العربية جائعة تائهة عاجزة عن الإنتفاض ببطونٍ خاوية.

إذاً، نحن غير معنيين بالدول العربية فرادى، وعن مواقف كلٍّ منها، إحتراماً منا لسيادة كل دولة، لكن من حقنا عشية القِمَّة العربية في تونس أن نتساءل، عن جدوى استمرار مؤسسة إسمها الجامعة العربية!

توالت ردود الفعل الدولية الرافضة والمندِّدة بإعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان السورية، تماماً كما حصل عندما إتَّخذ قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس، وجاء التنديد من بعض الدول العربية بأن الجولان أراضٍ سورية محتلَّة، وكذلك فَعَل أمين عام الجامعة أحمد أبو الغيط، لكن عندما يُندِّد الإتحاد الأوروبي الذي يجمع 28 دولة، ما هو المانع لدى “أم الصبي” الجامعة العربية أن تدعو لإجتماعٍ طارىء على مستوى وزراء الخارجية أو على الأقل على مستوى المندوبين، ليس للتباكي لدى الأمم المتحدة، بل لتوجيه إدانة مباشرة لدونالد ترامب؟ والجواب طبعاً معروف: إدانة حامي حِمى العروش العائلية ولو عبر شركة “بلاك ووتر” ممنوعة، والمساس بالعلاقات الثنائية مع أميركا يُهِّدد مصالح الملوك والأمراء أصحاب الإستثمارات والودائع بالمليارات في الأسواق والمصارف الأميركية.

ومن مهازل الجامعة  العربية، أن التطبيع مع سوريا يُعتبر مسألة سيادية ترتبط بكل دولة، لكن دعوتها الى قِمَّة تونس ترتبط بقرار الجامعة، والجامعة العربية هي التي اتخذت قرار تجميد عضويتها منذ عام 2011، وهي التي تقرر متى ترفع التجميد عن هذه العضوية.

فلسطين والتنكيل الإسرائيلي بأهلها وأرضها تحت النظر، وسوريا موضوع استعادتها الى الحضن العربي وجهة نظر، فيما لبنان يجب أن يتحلَّى كما دائماً بِبُعدِ النظر، نتيجة التجارب الخائبة مع دُوَل ما تُسمَّى الجامعة العربية، سواء مع نكبة فلسطين أو معموديات الدم التي عاشتها العراق وسوريا واليمن، كي يُبنى على الشيء مقتضاه في قِمَّة تونس، وكي لا تكون آخر القِمَم، على الأقل بالنسبة للدول العربية التي لها كرامتها، وتدفع ثمن هذه الكرامة عقوبات أميركية مُجرِمَة.

وبما أننا كلبنانيين، معنيُّون بانتصاراتنا على العدو الصهيوني بمعزلٍ عن الكثيرين من العرب، نتوقَّف عشية قِمَّة تونس عند تعليق الرئيس الأسبق العماد إميل لحود في قوله: أن “اللبنانيين يجب أن يعرفوا ما هو معنى تسليم الجولان للعدو الإسرائيلي، لأن الأمم المتحدة ربطت أراضي شبعا وكفرشوبا اللبنانيتين بالجولان المحتل، وحين طالب لبنان بمزارع شبعا وكفرشوبا بعد التحرير، كان جواب الأمم المتحدة بأنها أراضٍ مرتبطة بالجولان، ما يعني أن هذه الصفقة إن تمَّت سَتُطَوِّب شبعا وكفرشوبا والمياه اللبنانية بإسم الإسرائيليين، وبالتالي فإن “إسرائيل” ستسيطر على مياه جبل الشيخ ومزارع كفرشوبا وشبعا وسيخسر لبنان أجزاءً من أراضيه”!.

وعليه، وحيث أن لبنان عبر فخامة الرئيس عون، سبق له في أكثر من قِمَّة ومؤتمر عربي ولقاءات ثنائية، أن دعا الى استعادة وحدة الجامعة العربية والى اتخاذ القرارات الشُجاعة، يجد نفسه من المنظور السيادي ملزَماً بإعطاء “العلم والخبر” لِقِمَّة تونس، أن ارتباط شبعا وكفرشوبا بالجولان السورية بالمنظور الأميركي والأممي هو أمرٌ مرفوض، وبالتالي، لبنان لن يستخدم لُغة التنديد أمام التهديد، والقِمَم العربية لم تستعِد له حقوقه، بل استعادها بدماء جيشه وشعبه ومقاومته، مع إبداء الحسرة بلا أسف على هكذا جامعة مُحنَّطة إذا لم تستفق من رقادها وتكون بمستوى المُتغيِّرات…

التعليقات مغلقة.