saadahnews

زوال إسرائيل

 

فضل جحاف

انتصارات المقاومة في لبنان وفلسطين على العدو الإسرائيلي خلال العقدين الأخيرين غيّرت مسار الصراع مع إسرائيل فالتأريخ ومسار الصراع بعدها ليس كما قبلها ونتيجة الصراع النهائي وإن تأجلت لكنها باتت قريبة وحتمية وهي زوال الكيان الصهيوني من خارطة المنطقة .
بعيدًا عن التنبوءات وأطروحات الزوال التي تضع التصورات والسيناريوها المفضية إلى نهاية إسرائيل قبل حلول الذكرى ال 80 لتأسيسها أو في العام 2022 م 1443 ھ التي انتشرت في الأوساط العربية والإسلامية ونظيراتها الغربية والصهيونية وشغلت حيزاً كبيراً من الاهتمام والتعاطي السياسي والإعلامي
ولكن المثير للاهتمام أن نبوءة زوال إسرائيل عام 2022 م أو 1443 ھ لا تخلو من المفارقة إذ كان الباعث على تأليف كتاب “زوال إسرائيل عام 2022 م نبوءة قرآنية أم صدف رقمية ” نبوءة عجوز يهودية كما قال مؤلف الكتاب بسام جرار أنه اعتمد في تأليف الكتاب على نبوءة يهودية قديمة نقلتها عجوز يهودية قالت : „ إن هذه الدولة (إسرائيل) وجدت لذبح اليهود، وسوف تدوم 76 سنة „ مستنداً على بشرى قرآنية في فواتح سورة الإسراء وعلى ضوء الأبحاث العدديّة التي قام بها، يمكن أن نستقرئ الألفاظ القرآنية فلعلها تتوافق مع ما ذكرته تلك العجوز اليهودية. وبالنظر في كتاب „ زوال إسرائيل عام 2022 م نبوءة قرآنية أم صدف رقمية „ للداعية الإسلامي بسام جرار نجد أنه آمن بالنبوءة عدد كبير من الناس وبشروا بها وكأنها وعد إلهي قطعي الثبوت والدلالة لامجرد حسابات رياضية ظنية الثبوت والدلالة، وتأويل رقمي تخمينيّ لآيات القرآن الكريم وهو خلط واضح بين النبوءة بمفهومها القرآني والنبوي مع المفهوم البشري فضلًا عن اعتماد المؤلف على نبوءة عجوز يهودية
كما أن منهج التأويل والتفسير العددي لآيات من سورة الإسراء باستخدام منهج تحويل الأحرف إلى أرقام وفق حساب الجمل التأريخي القديم بترتيب (أبجد هوز ) الذي بُنيت عليها نبوءة زوال إسرائيل عام 2022 م و 1434 ھ منهج يشوبه الكثير من اللغط والإرباك، ويؤدي إلى نتائج ظنية وأخطاء كثيرة غالباً ومتناقضة أحياناً
والأهم من ذلك أن استشراف المستقبل والتنبّؤ بأحداث الغيب ولا سيما فيما يتعلق بالصراع بين الحق والباطل والعلاقة بين وعد الآخرة وزوال إسرائيل يخضع ككل أمر عظيم في الوجود إلى الإرادة الإلهية والسنن الربانية القائمة على انتصار الحق واندحار الباطل وإشراق الحق وأفول الشر سواء طال المدى وابتعد الزمان أو قصر واقترب
ولذلك أشار القرآن الكريم في سورة الإسراء إلى (إفسادين) يقوم بهما اليهود حيث يترتب على هذين الإفسادين عقابان شديدان يلحقان بهم الأذى والعذاب فيما يصور ذلك القرآن الكريم بصور بلاغية يستشف منها اندحارهم أي اليهود عقب كل إفساد يتعاطون معه على يد أناس يصفهم تبارك وتعالى بأنهم {عباداً لنا}، وبذلك يبدو الصراع مصيريًا عميق الأبعاد والدلالات وبعيدًا كل البعد عن الحسابات العسكرية والسياسية التقليدية سواء كانت هذه الحسابات مجسدة بمعركة تقليدية تنتهي إلى نتائج وسطية أو كانت تتمثل بحلول سياسية تفاوضية كما هو حاصل اليوم في أروقة المؤتمرات التفاوضية بين العرب وإسرائيل؛ لذلك لسنا بحاجة إلى التأويل الرقمي أو التفسير العددي لتأكيد مصداقية وعد الآخرة، أو لتحديد زمن زوال إسرائيل في العام < 2022 م 1443 ھ> حيث إن تأكيد ذلك وتحديده أديا بكثير من الناس إلى الانتظار على رصيف قطار الأحلام والسبات الشتوي داخل نفق هامش التأريخ وقد يؤدّيان بهم إلى فقدان الإيمان بتحقيق وعد الآخرة إذا مرَّ تأريخه المُحدّد بالنبوءة الرقمية من دون تحقيقه. وهو ما يخدم إسرائيل..
والحقيقة أن المسلمين الذين انتظروا زوال إسرائيل في العام 2022 م 1443 ھ اوالمنتظرين انهيار إسرائيل قبل حلول الذكرى ال 80 على تأسيسها يشبهون بني إسرائيل في قولهم لموسى عليه السلام “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”، بل إنهم تفوقوا على بني إسرائيل، وكأنهم يقولون إن لم ترد القدس وفلسطين يارب في هذا العام فسنترك دينك
بينما إنهيار إسرائيل قبل حلول الذكرى ال80 على تأسيسها ب “لعنة العقد الثامن ” التي شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة تزايداً مطردِّاً في الحديث عنها لا تخلو أيضاً من المفارقة السابقة في استحضار نبوءات يهودية في “التناخ ” العهد القديم ومضمونها << على مرّ التأريخ اليهودي لم تُعمر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا فترتين : فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم >> ولكن الباعث على استذكار ( النخبة الإسرائيلية) لعنات التأريخ وسنن الاندثار يكمن في انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب تموز 2006 م وانتقال قوة الردع من إسرائيل إلى محور المقاومة وهو ما أشار إليه تقرير ” التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط ” الصادر عن جامعة ” تل أبيب ” في العام 2007 م والذي شدّد حينها على أن ” قوة الردع الإسرائيلية تضررت في أعقاب حرب لبنان الثانية” باعتبار أن تلك الحرب “مسّت بصورة الردع الإسرائيلية وكشفت نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي وعملية صنع القرارات في إسرائيل ”
ولا شك أن حرب تموز 2006 م شكلت فيما بعد مرتكزاً انطلقت منه جميع مكونات محور المقاومة لتثبيت معادلة قوة الردع في جبهاتها .
كما أسست حرب تموز 2006 م لمرحلة جديدة في ذاتية البناء النفسي الإسرائيلي وبات الزوال هاجساً يضرب بجذوره عميقاً في الوجدان الصهيوني
وهذا الهاجس مركزي ومتأصل في الوجدان الصهيوني منذ البدايات الأولى لهذا الكيان الغاصب فقد كان ” بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل يردد : ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمة تتلقاها ”
وأكثر التصريحات تعبيراً عن تأصل هذا الهاجس وتجذره في وعي القادة الإسرائيليين ماقاله ” بنيامين نتنياهو عن نتائج حرب تموز 2006 م في كلمة له قبل أقل من سنه على ذكراها السنوية الأولى عندما كان رئيساً للمعارضة أمام مركز القدس في حزيران 2007 م. ( إنه بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000م، وبعد الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 م، وبعد حرب تموز 2006 م عاد سؤال الوجود يلوح فوق إسرائيل ليس فقط لدى أعدائها وإنما لدى أصدقائها أيضاً) وأهم ما أقرَّ به نتنياهو في حينه أن إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً يشكل فيه حزب الله رأس الحربة والتهديد الأشد خطراً على وجود إسرائيل التي وجدت نفسها أمام حدود القوة، فاضطرت إلي الانكفاء وراء الجدران والأسوار التي أحاطت نفسها بها تباعاً على مختلف الجهات، عند الجبهة الشمالية مع لبنان، وعند الجبهة الجنوبية مع غزة، وعند تخوم الضفة الغربية والقدس كتعبير رمزي عن واقع التحوّل الذي طرأ على العقل الإسرائيلي إلى استراتيجية الجُدر بدلًا عن استراتيجية التوسّع والاحتلال السمة التي لازمت المشروع الصهيوني من خلال فائض القوة قبل عام 2000م نتيجة التحوّلات في موازين القوى وتمكن حزب الله ومحور المقاومة من تغيير معادلات الصراع والتأسيس لواقع وخيارات استراتيجية يمكن الاتكاء عليها في شق الطريق نحو فلسطين، وعلى وقع التحول في موازين القوى والتغيير في معادلات الصراع أدركت واشنطن أن فشل الجيش الإسرائيلي في حرب تموز 2006م أدى إلى انكشاف محدودية قدرة الوكيل الإسرائيلي عن تحقيق هدفها المركزي في تدمير حزب الله عسكرياً بصورة نهائية لفرض واقع سياسي جديد في لبنان والمنطقة، يتساوق مع الرؤية الأمريكية “لشرق أوسط جديد يولد من رحم العدوان على لبنان ” شرق أوسط خالِِ من أي مقاومة تكون فيه سوريا ضعيفة إلى درجة تضطر معها إلى التخلي عن تحالفها مع إيران والمقاومة في لبنان وفلسطين والقبول بشروط إسرائيل للتسوية في لبنان والجولان، ولكن نتائج حرب تموز 2006 م جاءت عكس التوقعات الأمريكية والإسرائيلية حيث تحوّل محور المقاومة من قوة “قوة معيقة ” ومعرقلة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط إلى “قوة مانعة” وقادرة على إيقاف هذا المشروع، وليس فقط تأخيره فالسياسة الأمريكية في لبنان تلقَت ضربة قوية والمراهنون على الإدارة الأمريكية تلقَوا ضربة أقوى، وتعثّر السياسة الأمريكية عرقل إلى حدِِ بعيدِِ ولادة ” الشرق الأوسط الأمريكي الجديد” لصالح قيام ” شرق أوسط مقاوم وأكثر قوة ” وتحول حزب الله من مقاومة مسلحة تنتهج أساليب حرب العصابات إلى قوة عسكرية تتقن ما بات يعرف لاحقاً باستراتيجية الحروب اللامتماثلة، وإدراكاً لخطورة هذه التحولات وتداعياتها لم يكن أمام دوائر صنع القرار والبحث الاستراتيجي في إسرائيل إلا البحث عن بدائل إستراتيجية مختلفه لإضعاف حزب الله ومن بين ما قُدم؛ دراسة للخبير الإستراتيجي الصهيوني “داني بركوفيتش “بعنوان
” هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا؟ –معركة إضعاف حزب الله “الدراسه صدرت نهاية العام 2007 م عن معهد الدراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب أي بعد أقل من سنة وستة أشهر من نهاية حرب تموز على لبنان 2006 م وقبل حوالي سنة كاملة من العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية 2008 وبداية 2009 م وخُصصت الدراسة للإجابة عن سؤال مركزي : كيف يمكن إضعاف حزب الله، الذي شبهه بالكائن الخيالي ” الهيدرا”، الذي كلما قَطَعتَ له رأسا، نبت له من مكانه رأسان. لذلك مثلما يستحيل التخلص من رؤوس هذا الكائن، فمن المحال اجتثاث واقتلاع المقاومة والقضاء عليها، وفي هذا السياق أشار مُعد الدراسة الخبير الإستراتيجي ” داني بركوفتش ” إلى عدة خطوات مرحلية تنفذ في إطار استراتيجيات متعددة المسارات لإضعاف حزب الله الذي هو الذراع التنفيذي ” للمحور الشيعي “وأنه الآن يشكل التهديد العسكري المركزي على إسرائيل …وفي السياق ذاته اعتمد”مؤتمر المناعة والأمن القومي لإسرائيل ” المعروف باسم ” مؤتمر هرتسيليا ” للعام 2008م على”الرؤى والخيارات الاستراتيجية البديلة التي تضمنتها تقارير معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب في صياغة استراتيجية جديدة لإضعاف حزب الله وناقش الشرخ الشيعي — السني، جذوره وأبعاده الاستراتيجية ” كمدخل لتحويل الصراع الإقليمي على أساس أنه ” صراع داخل الحضارة الواحدة “أي الإسلام وليس “صراعاً بين الحضارات “وخلال السنوات اللاحقة انتقلت إسرائيل إلى استراتيجية “مذهبة الصراع ” واعتبرت توصيات المؤتمر أنَّ من مصلحة إسرائيل أن تسهم في تذكية ذلك الصراع وفي العام 2013 م خلصت توصيات المؤتمر إلى ” ضرورة تكريس الصراع السني _ الشيعي، من خلال السعي إلى تشكيل محور سني من دول المنطقة، أساسه دول الخليج بقيادة السعودية وتركيا والأردن، ليكون حليفاً لإسرائيل والولايات المتحدة، في مقابل ” محور الشر “الذي تقوده إيران والذي سيكون، بحسب التقسيم الإسرائيلي محوراً للشيعة.
هذه الأفكار والتوصيات شكلت الخطوط الرئيسة في استراتيجية ” مذهبة الصراع ” التي اتضحت معالمها بجلاء في خطابات قادة الكيان الذين تحدثوا بجرأة أكثر من أي زمن مضى عما ينتظرونه من وراء تحريك الفتنه المذهبية وتأجيج الصراعات وتحديداً في ما يتعلق بالموقف من إيران وحزب الله. وفي هذا السياق قال رئيس حكومة الكيان الصهيوني ” نتنياهو ” في تشرين الثاني 2013 لقناة ” الدولية ” الإسرائيلية إن (رؤوساء الدول العربية والشارع العربي يدركون أيضاً خطر الفكر الشيعي عليهم.. وأعتقد أن هناك تغييراً بطريقة التفكير التقليدي لدى الدول العربية التي لطالما اعتبرت إسرائيل عدوا ًفهي تدرك اليوم أنها وإسرائيل على جبهة واحدة لتحدي هذا الفكر الفتاك ) وعن النظرة إلى التهديدات حدد ” نتنياهو” عنصر الشراكة مع( الدول العربية السنية)، وفي مقدمتها السعودية، في مواجهة مشتركة لإيران وحلفائها وبحسب تعبيرات عبرية : مواجهة (المحور الشيعي ) الممتد من إيران مروراً بالعراق، سوريا، وصولاً إلى لبنان وفلسطين، بمايشمل حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينيّة، على أن يشمل ذلك – أيضاً – الساحة اليمنية، كجزء لا يتجزأ من هذا المحور
وأصبح من الواضح أن المرامي الإسرائيلية من ترصين المضامين الدينية والسياسية في الخطاب السياسي والإعلامي الإسرائيلي لتسويق مصطلح ” الخطر الشيعي”
بالمدلول الواسع الذي يشمل إيران، العراق، الخليج العربي، لبنان، اليمن وحتى باكستان يهدف إلى تصنيف ” الخطر الشيعي ‘ على أساس مذهبي يتجاوز حدود إيران لأن ملفوظ ” إيران ” يشير إلى الدولة، وليس إلى المذهب في امتداداته البشرية والجغرافية وهو ما أشار إليه محذرا وزير الحرب الصهيوني الأسبق ( افيغدور ليبرمان ) بقوله. ” إننا نواجه شرق أوسط أسوأ بكثير من الشرق الأوسط القديم ومن الضروري أن يبقى حاضراً، إنه للمرة الأولى يتواصل جغرافيا أطراف محور المقاومة في كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن مع إيران هذا من جهة ومن أخرى تدفع إسرائيل بالمصطلح إلى العالم العربي السني لإحداث تأثير في عواطف الذوات المتلقية (الرأي العام ) كي يستشعر “الخطر الشيعي “الذي يتهدده ولتبدو إسرائيل حريصة على مساعدة العرب ” السنة في مواجهة إيران الشيعية وحلفائها في المنطقة ..
كما أن التكرار لمصطلحي ” السني، الشيعي ” في الخطاب السياسي الإسرائيلي مع وصف ” السني ” بالاعتدال و ” الشيعي ” بالخطر يشير إلى أمرين
الأول : استبدال العداء لإسرائيل، بالعداء ضد العدو المشترك المتمثل بإيران والشيعة ولتحقيق ذلك لابد من أداء سياسي وإعلامي مدروس يهدف إلى استنهاض الشارع الإسلامي ” السني ” لمصلحة هذا الخيار الذي يدرك قادة الكيان الصهيونى أن تحقيقه سيؤدي إلى تحويل إسرائيل إلى كيان طبيعي في المنطقة أان تحقيقه لا يمكن إلا عبر ” البوابة السنية ” باعتبارهم الأكثرية في المحيط العربي لإسرائيل
وعن هذا الخيار والمخطط الإسرائيلي تحدث الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في ملزمة الصرخة في وجه المستكبرين بتأريخ 17/1/2002 م قائلا، (اليهود يعرفون بأن السنِّية لن يشكلوا أي خطر عليهم، ونحن رأينا فعلاً, رأينا فعلاً ما يشهد بأنهم فعلاً ينظرون هذه النظرة. أليس زعماء العالم الإسلامي اليوم سنيّة؟. أليسوا سنيّة؟ ربما واحد منهم (خاتمي) شيعي. هؤلاء هم ماذا عملوا في هذا العالم؟ أليسوا هم من وافق، من سارع إلى التصديق على أن تكون أمريكا هي من يقود التحالف العالمي ضد ما يسمى بالإرهاب؟ ومن هو الذي يقود التحالف العالمي؟ أمريكا، أمريكا هم اليهود، وأمريكا هي إسرائيل، اليهود هم الذين يحركون أمريكا ويحركون إسرائيل، ويحركون بريطانيا, ومعظم الدول الكبرى، اليهود هم الذين يحركونها) ولأن إسرائيل تنظر إلى أبعد من المرحلة الراهنة عملت على خلق موجة نفسية ثقافية فكرية في المنطقة يصبح فيها التطبيع وإقامة العلاقات معها هما السائدين أو بالحد الأدنى مجرد وجهة نظر بدلاً من كونهما فعلين مدانين، ولتحقيق ذلك تحولت إسرائيل إلى الحرب الناعمة لمواكبة الخطوات السياسية والعسكرية والاقتصادية لتهيئة العقول فكرة تقبّلها، وفي الطريق إلى ذلك يتحتّم عليها إخفاء وجهها الحقيقي العنصري وراء الأقنعة وكلفت أصدقاءها العرب مهمة شيطنة الفلسطنيين، وتسخيف القضية، وطمس الحقيقة، وخلق أعداء مشتركين، وتوهين الإرادة، وتعميم النماذج الاستسلامية وممارسة رذيلة التضليل والتزييف
الثاني : تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي استخدمت وسائل الحرب الناعمة في اجتراح هندسة اجتماعية سياسية جديدة في المنطقة تمرّ من خلال المشترك الديني وتحت عنوان ” الإبراهيمية ” لخدمة المشروع الذي يستوعب ” إسرائيل ” مستقبلاً ويتقبّلها على المستوى الفردي الروحي، فتلغي بذلك التعارض الضمني داخل الذات بين الإيمان والتعامل مع ” إسرائيل ” وتسويغ ذلك بفتاوى مشائخ الوهابية لإباحة التطبيع مع ” إسرائيل ” وبهدف فصل الدين عن السياسة وحصره في الجوامع والكنائس باعتباره علاقة خاصة مع الله بعيداً عن أي فعل حركي أو نضالي، دين غير مصمّم بالمناسبة ل ” شعب الله المختار ” بل للمسيحيين والمسلمين ولمكوّنات شعوب المنطقة ومن أراد أن يدخل رحاب الله من باب ” التسامح، التعايش” بين ( الأديان ) بدلًا من دخول الباب لتحقيق الغلبة على اليهود والتوكل على الله وفي السياق ثمة سردية جديدة صادرة من دول التطبيع يروجها مشائخ الوهابية في المؤسسات الدينية السعودية بشأن التطبيع لإيهام شعوب المنطقة واجيالها القادمة بأن ” إسرائيل ” تغيّرت، وبأن المشكلة في المنطقة لا تكمن فيها بل في ” الحركات الارهابية ” حماس، الجهاد، حزب الله التي تواجهها وفي دول محور المقاومة والممانعة
وبالرغم أن هرولة الدول الخليجية والسعودية لتطبيع العلاقات مع ” إسرائيل ” من المفترض أن يسهم ذلك في تعزيز المكانة الاستراتيجية ل ” إسرائيل ” التي تدرك أكثر من غيرها أن كل ماسبق لا يكفي وأن القوى المقاومة الحية في شعوب المنطقة مازالت تمثل خطراً متوثباً عليها وأن المتغيرات في البيئة الإقليمية لم تنل من تصميم هذه القوى ومن إرادتها على تفعيل القتال وفي مواجهة ذلك تحاول “إسرائيل” النفاذ من خلال الثغرات واستغلال الفرص بهدف فرض وقائع جديدة من خلال محاولة تغيير الأولويات في أوساط البيئة المهددة لها وما عجزت عن ردعه بالقوة العسكرية قد ينكفئ عبر الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الخانقة وسبق ذلك العمل على التفتيت والتشتيت في المحيط القريب ومحاولة زرع الفتن والأحقاد والحروب الطائفية و النزعات الانفصالية. كل ذلك على أمل إبعاد البندقية عنها، وتغيير البوصلة عن فلسطين
وما ينبغي التذكير به أن حديث قادة الكيان الصهيوني بإسهاب عن تهديد وجودي على ” إسرائيل ” تركز على الربط بين ” العدو الإيراني ، العدو الشيعي ” كتهديد مستقبلي على ” إسرائيل ” ومسار قائم يُخشى من استمرار تصاعده ليمتد إلى كل الحواضن الاجتماعية التي تتخذ من التشيع مبدأ، ويدرك قادة الكيان أن مآل التصاعد لمحور المقاومة سيهدّد وجود الكيان الصهيوني؛ ولذلك ركزت القيادات الإسرائيلية الرسمية السياسية والأمنية معركتها وجهودها خلال العقود الأخيرة وعلى مدار السنوات المقبلة لمواجهة ” المحور الشيعي ”
ويُضاف إلى ما تقدم أن الكثير من القادة ” الدينيين”اليهود الذي يستشرفون المستقبل في ضوء ماهو وارد من روايات ونصوص ” دينية” عن مستقبل ما يُسمونها دولة “إسرائيل ” يتحدثون عن زوال ” إسرائيل ” حيث أكد الحاخام الأكبر السابق لحركة ” ناطوري كارتا” موشيه هيرش “( مراراً بأن كتب التوراة لديهم تتضمن نصوصا واضحة وصريحة تشير إلى أن الكيان سينهار ويزول عن الوجود وتختفي في غضون سنوات قليلة )
وعن دائرة المخاطر بالنسبة إلى ” إسرائيل ” فهي لا تقتصر على البعد الداخلي كما يروج له قادة الكيان الصهيوني السياسيين الذين عبروا عن مخاوفهم من انهيار ” إسرائيل ” وزوالها قبل حلول الذكرى 80 على تأسيسها ب خرافة ” لعنة العقد الثامن ”
التي يجري توظيفها بوضوح لخدمة أهداف سياسية إسرائيلية ويستخدمها قادة الكيان الصهيوني طعماً يرمونه للإعلام العربي الذي يعمل بعضه بالسخرة عند كيانهم للحديث عن حرب أهلية داخل الكيان لتخدير الشعوب العربية وانتظار الانهيار الذاتي للكيان الصهيوني بينما الحقيقة أن مصدر التهديد ل ” إسرائيل ”
يكمن في إيران التى يصفها قادة الكيان الصهيوني ” التهديد الأكبر من مكان أبعد ” و فيما يتعلق بالمستقبل نقل حاخامات اليهود نبوءة تتحدث عن مصير ” إسرائيل ” نقلها الحاخام ” شمعون بن يوحاي ” الذي يعد من أعظم الحاخامات التاريخيين لليهود حيث أشارت النبوءة إلى مصدر التهديد ل” إسرائيل ” ( يأتون من أرض بعيدة إلي جبل إسرائيل العالي ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل ) إلى آخر النبوءة التي أوردها الحاخام في كتابه ” الزوهار” وعلى هذه الخلفية كشفت استطلاعات للرأي من داخل الكيان الصهيوني عن عوامل داخلية وأخرى خارجية تدفع شباب العدو إلى العزوف عن الخدمة العسكرية بعد تراجع سمعة ” الجيش ” وسلسلة هزائمه في حروب العقود الثلاثة الأخيرة كما أن ثقة الصهاينة ب ” دولتهم وجيشهم ” ما فتئت تتراجع خلال السنوات الماضية، إلى درجة أن أحدث استطلاع للرأي كشف أن قرابة 47% من الصهاينة يخشون أن تحل بهم كارثة تهدد وجودهم في المنطقة، في ضوء الأخطار التي تحدق بهم وتهدد بقائهم، ووفق الاستطلاع الذي أجرته حركة ” بنيما ” ونقل نتائجه موقع ” إسرائيل اليوم ” فإن تهديدات إيران بإبادة الكيان ومشروعها النووي ترفع الخوف في أوساط الكثير من الصهاينة، إذ يظهر الاستطلاع أن الخوف الوجودي يبرز أكثر لدى اليهود الحريديم ” المتدينين ” إذ إن، 23% ممن عرفوا أنفسهم بكونهم ” حريديماً” أشاروا إلى أنهم يخافون جداً من حدوث كارثة ثانية تحل بكيانهم وعن نهاية ” إسرائيل ” وزوالها وعلاقة ذلك بالشيعة تحدث الشهيد القائد السيد ( حسين بدر الدين الحوثي ) رضوان الله عليه في دروس من هدي القرآن ملزمة. ( خطر دخول أمريكا اليمن ) قائلا:
(وربما أن اليهود أيضاً – والله أعلم – قد يكون لديهم أشياء أخرى، أمارات أخرى في هذا الزمن بالذات يركزون فيما يتعلق بالشيعة، ويركزون أيضاً على ما يتعلق بالحرمين الشريفين، قد يكون لديهم ملاحم, أو لديهم أخبار أو أشياء من هذه، يعني يتصرفون كتصرف فرعون، يحاولون أن يحولوا دون ما يريد الله أن ينفذ {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}(يوسف: من الآية21). كان تحركهم في هذه المرحلة, ومن قبل فترة كنا نعتقد أنه تحرك يوحي بأنهم يعرفون، كما كان تحرك أولئك اليهود الذين عرفوا أن محمداً سيُبعث في حينه، وصرخوا في مكة، وصرخوا في المدينة بعضهم قالوا: [طلع نجم محمد]
ولأن ” إسرائيل ” تدرك أن الشيعة يشكلون خطراً عليها اكثر من أي وقت مضى لذلك لم يكن أمام قادة الكيان الصهيوني سوى المسارعة إلى الشراكة مع. (الدول العربية السنية ) وفي مقدمتها السعودية في مواجهة مشتركة لإيران وحلفائها وبحسب تعبيرات عبرية : مواجهة. ( المحور الشيعي ) الممتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان وفلسطين، بما يشمل حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، على أن يشمل ذلك – أيضاً – الساحة اليمنية كجزء لا يتجزأ من هذا المحور.
وختاماً: إن مسارعة الصهاينة إلى التحريض على الشيعة وتحريك الجماعات التكفيرية لمواجهة الشيعة لا يختلف عن مسارعة فرعون لمواجهة موسى ع لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي قال عن نفسه : {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ}.

التعليقات مغلقة.