saadahnews

وعي تحت النار: كيف تُصنع المأساة وكيف تُقاوَم؟

 

 

قراءة فكرية في الجرح الفلسطيني وسبل المواجهة الحضارية للمشروع الصهيوني

 

“أخطرُ أنواع الحروب، هي تلك التي لا تَسمع فيها صوتَ الرصاص، بل يُسلَب فيها وعيُكَ دون أن تُدرك.”

— مجهول، لكنه يعرف تمامًا ما نتحدث عنه.

 

مأساة تتجاوز الجغرافيا

 

لم تعد المأساة الفلسطينية حبيسة الأرض المحتلة، ولا قضيةً مقيدة بالحدود. هي مأساة أمة بأكملها، صاغها العدو بالحديد والنار، وساهم في ديمومتها الغافلون والمتواطئون والمخذولون. إنها ليست فقط مشهدًا دمويًا يتكرر، بل جريمة مكتملة الأركان ضد الوعي، والهوية، والانتماء.

 

ما يحدث في فلسطين اليوم ليس مجرد قصفٍ لمبانٍ أو اغتيالٍ لأجساد؛ بل هو استهدافٌ ممنهجٌ للروح، للعقل، للإدراك. إن الوجع الفلسطيني بات معيارًا لقياس درجة الحضور الإسلامي والإنساني في الضمير العام، وكل من لا يزال يحمل هذا الوجدان لا يمكنه إلا أن يتحرك، أو على الأقل يصرخ.

 

حين تكون الهزيمة نفسية

 

العدو لا يكتفي بالاحتلال العسكري، بل يعمل على بناء منظومة كاملة من التزييف: مناهج تُفرغ العقل، إعلام يُغيّب الحقائق، ثقافات تُهندس الخنوع، أنظمة تقتل كل صوت واعٍ. لم تعد المشكلة فقط في الكيان الغاصب، بل في الذين صنعوا له القابلية: أنظمة وظيفية، نخب خانعة، مؤسسات دينية مخترقة.

 

ولذلك، من لا يدرك كيف يعمل اليهود لضرب الأمة من داخلها، لن يعرف كيف يواجههم. الوعي هنا ليس رفاهية فكرية، بل هو شرط النجاة. الفارق بين أمة تقاوم وأمة تُستَعمَر، ليس عدد البنادق بل نوع الأفكار.

 

القِلّة الواعية… أشد ما يخشاه العدو

 

ليس صدفة أن تهاجم إسرائيل المدارس الصيفية أو الأنشطة التربوية الواعية. إنهم يدركون أن الطفل الواعي أخطر من ألف راشدٍ مغيّب. إنهم يخشون القلة التي تفكّر، حتى وإن كانت بلا سلاح. لأن القلة الواعية نواة التغيير، ونار اليقظة، ومصدر القلق الحقيقي لكل مشروع استعماري.

 

التاريخ يعيد نفسه، لكن بأقنعة مختلفة. فكما رفعت الحروب الصليبية راية “الدين” لقتل الدين، ترفع الصهيونية اليوم شعارات “الشرعية” و”التحضّر” لقتل الإنسان، وتزييف الحق، وتجريف الذاكرة.

 

بين التغلغل والخذلان

 

العدو يبني مؤسساته، ويحمي نسيجه، ويوسّع تغلغله في أوساط الأمة. لكن من سمح له بذلك؟ من الذي فتح له الأبواب؟ إنها تلك الأنظمة التي استبدلت الخوف بالسيادة، والتبعية بالشرعية، وأمعنت في قمع شعوبها وتشويه وعيها. قمعٌ، ترهيب، تكميم، تهجير، قتل… حتى صار الخوف هو القانون، والصمت هو الأمان.

 

وبموازاة ذلك، تتحول القضية الفلسطينية إلى “قضية خارجية”، مجرد ملفٍ سياسي هامشي، بدلًا من كونها قضية الأمة المركزية، وميزان إيمانها، ومفتاح تحررها.

 

الوعي بداية التحرير

 

المواجهة اليوم لم تعد عسكرية فقط، بل فكرية، نفسية، حضارية. والوعي هو بوابة كل تحرك فعّال. يجب أن يُعاد النظر في كل ما تَمثّل الهزيمة: في المناهج، في الإعلام، في الثقافة، في الخطاب الديني. لا بد من ثورة وعي تعيد تعريف العدو، وتُحصّن الذاكرة، وتصنع أمة ترفض الترويض والتطبيع والانبطاح.

 

حين لا يعود العدو يخشى سلاحك، بل يخشى أفكارك، فاعلم أنك في الطريق الصحيح.

الأمة التي تسترد وعيها، تسترد كل شيء، حتى لو سُلب منها كل شيء.

التعليقات مغلقة.