saadahnews

مثّلثُ نتنياهو الاستعماري

مقالات| 21 نوفمبر| بقلم/ علي السراجي:

ظهر رئيسُ الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أحد الفيديوهات التي تم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي وهو يتحدث عن أهمية تواجد إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، ويتساءل كيف سيكون وضع العالم في حال وجود ثلاث إسرائيل في أفغانستان وليبيا واليمن؟؟، طبعاً لم يصدر مثل هذا الكلام عن شخصية سياسية عادية أَوْ باحث أَوْ محلل متحدث في قناة تلفزيونية أَوْ في مؤتمر يعرض نظرية أَوْ يقدم بحث ودراسة، لكنه صدر عن شخصية رسمية وفي منصب رسمي رفيع جداً، وزعيم حزبي كبير في إسرائيل، وكل ما يصدر عنه محسوب عليه ولا يمكن أن يمر دون توقف عنده فهو يمثل توجُّهات وسياسات النظام الإسرائيلي الحالية والمستقبلية.

ومن باب المقارنة، تخيلوا معي لو كان الرئيسُ الإيْرَاني روحاني مثلاً هو من تحدث عن ثلاث إيْرَان في أفغانستان وليبيا واليمن، بالتأكيد كانت ستقوم الدنيا ليلاً ونهاراً ولا تقعد، وسيتم نشرُ وتداولُ هذا الحديث كما ستكون هناك تصريحات وَردود دولية وإقْليْمية وأممية وسيعتبر العالم أن مثل هذا الحديث يهدد السلم والأمن الدوليين ويهدد استقرار المنطقة وبالذات دول الخليج ويشكل تهديداً للأمن القومي لإسرائيل وغيره من الردود التي نحن نعلمها وشاهدناها، وبالتأكيد اننا كلنا كنّا سنرفض وسنقاوم أَي مساس بسيادة واستقلال أوطاننا من قبل إيْرَان أَوْ غيرها.

وللتوضيح أَكْثَر لكي تكتمل صورة المقارنة، تحدث أحد المحللين السياسيين أَوْ الصحفي أَوْ الباحث الإيْرَاني في برنامج على أحد القنوات وقال، “إن صنعاء هي العاصمة الرابعة أَوْ الخامسة التي سقطت تحت هيمنة إيْرَان حد قوله أَوْ تعبيره”، ومع أنه ليس شخصية رسمية ولا يعتبر حديثُه تصريحاً رسمياً بقدر ما يمثل حديثاً تحليلياً من قِبل محلل أَوْ باحث في أحد البرامج السياسية التي كانت تغطي حدث انتصار الحراك الشعبي لثورة 21 من سبتمبر 2014م، وهو فعل أَوْ تحليل مشابه لما كانت البرامج في القنوات المتخلفة تناقشه سلباً أَوْ إيجاباً مع أَوْ ضد، إلّا أنه ومن ذلك اليوم اعتبر كلامه دليلاً على صحة نظرية تمدُّد وسيطرة إيْرَان على اليمن ودعم الحوثيين والانقلاب.

لقد استغل العملاءُ والمرتزقةُ من أتباع نظام الفار هادي والأحزاب الداعمة له هذا الفيديو لممارسة عملية التحريض والتشوية والاستهداف كما تم استغلاله في إثارة مخاوف الدول الإقْليْمية وبالذات دول الخليج وبالأخص النظام السعودي، وبالفعل نجحوا في ذلك، فأصبح كلام هذا الصحفي أَوْ الباحث أَوْ المحلل أحد المبررات للتسريع في الدفع نحو هذا العدوان، كما كان أحد المبررات التي تم استخدامها من قبل النظام السعودي وتحالفه والمرتزقة والعملاء في الداخل لإقناع مجتمعاتهم والمجتمعات العربية والإسْلَامية وللتبرير عدوانهم وحربهم وحصارهم وقصفهم وتدميرهم لليمن وقتلهم لليمنيين منذ ما يقارب العامين أمام العالم.

وفي المقابل نجدُنا أمام تناقضٍ كلي، يدفعنا نحو توجيه السؤال للعملاء والمرتزقة اليمنيين الذين استغلوا وروجوا لحديث الصحفي الإيْرَاني، أين أنتم اليوم من حديث نتنياهو عن دولة إسرائيلية في اليمن؟! ربما أن هذا الحديث لا يعنيكم ولا يهمكم ولا يخدم توجهاتكم وسياستكم أَوْ سياسات وتوجهات أسيادكم وقادتكم الذين تنفذون مشاريعهم وأجنداتهم المشبوهة في اليمن، فكل ما يهمكم هو إثباتُ وتجذير فكرة الهيمنة والسيطرة الإيْرَانية على اليمن وإن كانت وهماً وكذباً ومجرد تحويل للبوصلة نحو عدو غير موجود أصلاً وحرف للبوصلة عن العدو الحقيقي وتضليل للمجتمع.

قد يقول قائل منكم أيها العملاء والمرتزقة إن الحوثيين وشعارَهم السبب في هذا، عندها سيجد نفسه أَمَـام تسأل حقيقي ومنطقي أين الحوثيون وشعارهم من استهداف ليبيا وأفغانستان، ومن المسؤول عن استهدافها إسرائيلياً؟!، لماذا المطلوب منا احترام مشاعرهم والتعامل معهم سياسياً ودبلوماسيا فقط؟؟ في حين هم يستهدفون بلادنا وبكل وضوح وصراحة ودون خوف أَوْ دبلوماسية أَوْ مراعاه لمشاعرنا، ألا يعتبر مثل هذا الكلام استعداءً وتحدياً وتهديداً لنا ولأمننا ووجودنا واستقلالنا وسيادتنا؟!.

أين مَن رفضوا شعارَ ومشروع مواجهة الاستكبار العالمي في اليمن من هكذا تصريح؟! وكلام أين مشاريعهم وخططهم ومواقفهم لمقاومة ومواجهة خطر إسرائيل واستهدافها لليمن أرضاً وإنساناً؟؟ إلا أن يكونوا قد اصطنعوا لأنفسهم تفسيرات ومبررات تخاذلية تتماهى مع العدوان ومشروع الخضوع والاستسلام، فمنذ نشر وتداول هذا الفيديو لم نلمس تحرككم أَوْ رد فعلكم، فلا كانت لكم ندوات ولا نقاشات ولا حلقات ولا تحفظ ولا رفض.

إن كلامَ نتنياهو في هذا الفيديو من وجهة نظري هو الرد الشافي والصريح على كُلّ من تحدثوا عن زَجّ اليمن في صراعٍ مع العالَمِ عبر استعداهم بالشعار وبمشروع مناهضة الاستكبار العالمي، فترديدُ الصرخة أَوْ شعار “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل اللعنة على اليهود النصر للإسْلَام” في وَجْهِ كُلِّ مَن يهدفُ إلى استعمار واحتلال وتطويع بلدهم يعتبر من وجهة نظرهم أقل واجب يمكنهم القيام به.

في حين نجدكم عاجزين عن مواجهة هذا المشروع باي طريقة أَوْ وسيلة إعْـلَامياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً وأن تكونوا بحجم المعركة بالتسلح بالوعي والمعرفة واليقظة، لم يعد بالإمكان اليوم تسطيح الأحداث واستغفالنا واستغبانا وإظهار أن اليمن ليس مستهدفاً أَوْ أنه في مأمن عن خطر التفتيت والتقسيم والغزو الى فالعدوان السعودي الامريكي على اليمن ليس مجرد مشروع عابر ومساند وداعم للطرف دون طرف بل هو جزء لا يتجزأ عن المشروع الكلي والكبير الذي تسعي إسرائيل لتحقيقه.

لماذا لم ينال مثل هذا الكلام حقة من التغطية الإعْـلَامية لتوعية المجتمعات العربية والإسْلَامية بعدوها الحقيقي؟؟ أين الناشطين والناشطات العرب والمسلمين؟؟ أين القوميين العرب واصحاب مشروع الوحدة العربية والإسْلَامية واين مفاهيم ونظريات مناهضة ومقاومة إسرائيل؟؟ أين شعار فلسطين القضية العربية المحورية والمركزية؟؟ خاصة وَرئيس وزراء إسرائيل اليوم يتحدث عن ثلاث دول إسرائيلية قادمة وهو ما يعني ثلاث دول فلسطينية جديدة محتلة.

إذن هو تصريح خطير جدا يكشف حقيقة الصراع والحرب والدمار في المنطقة كما يكشف الدور الإسرائيلي المباشر والصريح في تدمير هذه البلدان والمجتمعات وضرب وحدتها الجغرافية والديمغرافية وضرب استقرارها السياسي والأمني، وان الصراع الحاصل في المنطقة هو جزء لا يتجزأ عن الصراع العربي الإسْلَامي الإسرائيلي منذ احتلال دولة فلسطين وإلى اليوم وأن أَيّة محاولات لفصل أَوْ عزل ما يجري في المنطقة من حروب عن القضية المركزية الفلسطينية هي محاولات كاذبة وتزييف للوعي العربي والإسْلَامي.

أليس مثلُ هذا الحديث يعتبر تهديداً للأمن القومي العربي والإسْلَامي، لكن وللأسف فقد أصبحت الشعوب العربية والإسْلَامية ضحية للماكينة الإعْـلَامية الكبيرة التي تدار من قبل دول النفط العربي والتي تستغل قدراتها الإعْـلَامية والمالية في توجيه وحرف بوصلة الصراع نحو الخلافات والصراعات العربية العربية وكذلك نحو صراعات عربية إسْلَامية لتحقيق حالة من الفصل الأفقي والعمودي داخل وحدة هذه الأمة الإسْلَامية، وهو ما حقق الاستقرار للكيان الإسرائيلي للاستمرار في مشاريعه ومؤامراته وسياساته، واذا لم تصحُ المجتمعات العربية والإسْلَامية وتواجهه عدوها الحقيقي فإنها ستجد نفسها قد فقدت حاضرها ومستقبلها وتأريخها بل وجودها وكياناتها المستقلة جغرافياً وديمغرافياً.

التعليقات مغلقة.