saadahnews

رحلةُ على أجنحة الولاء وجهتها لسيد الأوصياء..

جهاد اليماني

وفي ذكرى استشهادِ إمام المتقين ،وسيد الوصيين :الإمام علي بن أبي طالب-عليه السلام-
استبدّ بي الحنينُ وعصفت بيَ الآلام ُ،وتصدعت الروحُ الوالهةُ،
وتشققَ القلبُ المتيمُ؛ لتتدفق دماءُ الأسى
على وجع الوجدانِ.

حينها أخذتُ القلمَ ؛لأسكبَ على السطورِ بعضَ الوجعَ الذي كاد أن يفتكَ بي، لكن الحروفَ وقفت بدايةَ السطرِ لم تتقدم خطوةَ َ واحدة؛ فمن الإستحالةِ بمكان أن تتصدى الأحرفُ اللطافُ لعواصفِ الألم العاتية
،ومن غير الممكن أن تصدّ الجملُ الرهاف زحوفاتِ الأسى،وتقفُ في وجه جحافلِ الحنين التي تجتاح الأعماق.

وتبقى رحمةُ الله قريباَ َ من المحبين دائما
؛ففي تلك اللحظات المشحونةِ بالألم هبتْ نسائمُ المحبة ،وفاح عبيرُ المودة ،وعاد الولاء بعجلةِ الزمن للوراء، للقرن الأول الهجري، ومدَّ أجنحته ليحلق بالروحِ الوالهة إلى حيث سيدها ومولاها .
وعند الوصول كان صدى نداء جبرائيل-عليه السلام- لازال يتردد في آفاق مدينة الكوفة :(تهدمت والله اركان الهدى وانفصمت العروة الوثقى قتل علي المرتضى…) وعلى أعتاب باب دار أميرالمؤمنين يقف أحدُ أصحاب الإمام الخُلّص الأصفياء_يقف والِهاَ ََ َحزينا متهدجَ البكاء متقطع الأنفاس ،يستأذن الدخول؛فعظيم حبه ،وصدق ولائه لم يسمحا له بالانصراف كما انصرف الآخرون

أُُذنَ لهُ بالدخول
وأُذن لروحي الوالهة كروحه بالدخول أيضاَ َ

وهناك كان النور منسكباَ َ،وعبق الجنان فواحا، وأرواح الأنبياء و الأصفياء ترفرفُ وتستعجل روحَ الإمام بالقدوم إلى ساحة القدس الإلهية.
وفي إحدى زوايا الدار تراءى سيد الأوصياء مثخناَ َبالجراح مخضباَ َ بالدم، تتلألأ حباتُ العرق على جبينه، وقد علا محيّاه الاصفرار؛فبدى كالشمس ساعة الغروب يضمد جراحها ويمسح دماءها بدران منيران ،وتحيط بها نجوم مزهرة قد اكتنفتها سحائب الأحزان ،وخيمت عليها غيوم الأسى.

ذلك العظيم المسجّى هو علي بن ابي طالب
وما أدارك ما علي؟
ثم ما أدرك ماعلي؟
ذلك الذي أخفى مُحبّوه فضائله خوفا،وأخفى أعداؤه مناقبه حسدا،وظهر بين ذلك ما ملأ الخافقين.
قرين القرآن، نفسُ النبي العدنان ،أخوه ووصيه وباب مدينة علمه.
فارس بدر وحنين والأحزاب ،وليد الكعبة وشهيد المحراب.
ومابين الكعبة والمحراب كانت مسيرة حياته العظيمة ،مسيرة رجلِ ِ استثنائي وصل لدرجة الكمال الإنساني،وقدمته السماءُ كنموذج بشري ؛بلغ أعلى درجات السمو والرفعة.
وتقضي مشيئةُ الله أن تكون شهادة ذلك العظيم على يد أحد منافقي الأمة؛ لتثبت بالدليل أن الخطرَالداهم يتمثل في منافقي الداخل المتلبسين بالدين كذباَ َ وزورا.

وتناجي الروح سيدها همساَ َ:
مولاي ما أعظمك وأنت تُملي وصاياك السماوية الربانية ؛منهاجا للأولياء وعهدا للأتقياء
ما أعظمك وألطفك وأنت توصي بنيك الأطهار بقاتلك فتقول:
(لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي الا قاتلي …)

مولاي، إن الخطبَ لفادح وإن مصيبتنا بك لعظيمة!!
ألا وإن عزاؤنا فيك يا مولاي
هو ذلك الحب الابدي الازلي السرمدي الذي يسكن الأعماقَ ويجري في الأوردة والشرايين ويتدفق مع النبض ويستوطن الروحَ ويختبئ بين المسامات ويتصاعد مع الأنفاس شهيقا وزفيرا
انه الحبّ الذي عجز عن تفسيره الحكماءُ والعرفاءُ والفلاسفةُ.
ومن ذلك الحب نرتشفُ
وعلى سفينته نبحرُ ؛فنصل إلى شاطئ الأمانِ ومرافئَ الأمل وضفة النجاة.
ولأجل ذلك الحبّ تكالبَ علينا الأعداءُ؛ فحاصرونا وقاتلونا،وفي سبيل ذلك الحب بذلنا المهجََ والأرواحَ وارتشفنا الموت عذباَ َ زلالا.
وكلما ارتقى منا شهيدُ ُ هتف:فزت وربّ الكعبة!
ولم نعد نبالي أوقعَ الموت علينا أم وقعنا عليه؛ مادمنا نمضي في خطاك ونقتفي أثرك،وذلك هو السلامة في الدين والفوز في الدنيا والآخرة.

عزاؤنا فيك يامولاي، هو
ذلك الإرث العظيمُ الذي خلفته فينا؛فبنهجِ بلاغتك نستظلُ ،ومن يانعِ وصاياك الخالدة ومواعظك البليغة
نقطف ثمار الرقي والسمو والرفعة.
وعلى براق أدعيتك ومناجاتك نرتقي معارجَ الكمال ونصعدُ إلى ساحةِ القدس الإلهية.

عزاؤنا فيك يامولاي أنك لازلت فينا مقيم بيننا
فلكل زمان خيطُ ُمن شعاعك وومضةُ من نورك ووهج من ضيائك وعلماَ َمن أبنائك يضيء لنا عتمة الدروب المظلمة.

فسلامُ الله عليك يامولاي مافاح أريجُ ذكرك ،وما هبت نسائم حبك.

وتصعدُ روحُ الوصي لبارئها،وتودعُ الكوفة سيدها ويمضي الركب إلى الغري في النجف الأشرف
وترفرفُ الروح الوالهة على أجنحةِ الولاءِ
إلى هناك؛ لترتل سلام الحنين ،وتتلو فاتحةَ الشوق وتلقي عصا الترحال ؛فهناك الوطنُ، والملاذُ والمبتغى.

الأصبغ بن نباته أحد أصحاب الامام الاصفياء

التعليقات مغلقة.