saadahnews

إلى عزيزي العزيز -مُجاهدي-5

رويدا البعداني

ورميت سهم الفراق عليَّ ولم تبال ،فارقتني فأرقتني ، توشحت فراغك ، وتنفست غيابك ، احتدمت بي لواقح الحنين ، وبينما كنت أرقب عودتك من حيث رحلت ،لفحتني نار الانتظار في صيفها القائظ ، فتكت بجسدي المضحمل ، وحشرجت أنفاسي ، لم ترأف للهيب وجدي وحريق كبدي ، فألف آه ياأخي .

قضى الحزن وطره مني فحبلت بيأس لا ولادة منه ولافيه اجهاض ،انهلت عيني كصنبور مياه يتدفق بغزارة عصي التوقف ، نبذت في العراء لشدة عويلي ونحيبي، غدوت أمة يعتليها الضعف ، ويرتديها الوهن والعجز ، حينها أسرعت لأندب حالي الخاوي على عروشه إثر فراغك وأرثيه .

نهشتني براثن الوداع ، بعد أن ألقت بي أرضًا مع حقيبة تضم بؤس متاعي ، وكأن الأقدار أبرمت أول صفقة معي ، هاأنا أقطن حضيض خيبات جديدة ، بلازاد ، بلا مأوى ، عدا الأنين والذكرى .

فكيف أنسى مهب وداعنا الأخير وأنت بطلي ؟ كيف أُناسي جدران منزلنا العتيق آخر تلويحة لك؟ كيف أوآسي أمي وأبي بغيابك ؟ كيف أخبر عدتك وعتادك أنهما محظوظان برفقتك ؟ فكم تمنيت لو أكن جعبة لسهامك ونبالك ؟ أو مترس يتكأ عليه سلاحك ؟

ماذا لو ألقيت نظرة سريعة لعدسة شاشتنا الهرمة وهي تدمدم أن الحرب وضعت أوزارها ، وأسقطت ضحايا بالمئات كانوا يتأهبون للعودة فباغتتهم النكبة وهم في جادة الطرقات ، أخبرني حينها كيف أخمد نار تضطرم بعنفوان شديد مديد على أراضيَّ ، وريعان سنيني .

من يعيرني من الأحياء منفضة جديرة رصينة ، أرمي عليها رماد اللوعة والحسرة ، فتبغ الانتظار أضرم في ليلة وداعك ، كيف أرتوي من زلال رؤيتك وأنا الظامئة لطيفك من حين رحلت ؟ نسيت أن أخبرك وصلني اليوم خبر وفاة أربعة أشخاص من مدينتي الخضراء حينها أجهشت خوفًا إن كنتُ خامسهم ولن أحظى بلقياك .

أيا عزيز العزيز والأعز :-
لازلت بصدد الكتابة إليك مادمت على قيد الحياة أتنفس بقيتك ،وإن حدث ولم تأتيك حمامي الزاجل ككل مرة ، أو جآتك بمفردها دون أي رسالة فأعلم أن الصبر تغلب عليَّ ونفذ مني، وأنني حاولت مرارًا أن اصطنع عودتك مع كل صحوة انتظار إلى أن ملني ومللته ، لذا كان مصيري الأخير أن أغدو إلى طابق سفلي ،أن أقطن ضريح عليه سيكتب اسمي ، فهلا عدت فلربما ستكن هذه آخر سطوريَّ ، ووداعي الأخير لك ياعزيزي ،ماذا قلت… ألن تأتي… ؟

15 /أيار/2020

التعليقات مغلقة.